وروينا فيه وفي كتاب ابن ماجه عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها (1) في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم! قالوا: بلى، قال: ذكر الله تعالى "
لذكر الله تعالى فوائد كثيرة؛ فهو يطمئن القلب، ويرفع الدرجات، ويمحو الله تعالى به السيئات، وقد حثنا النبي صلى الله عليه وسلم على الإكثار من الذكر، وبين لنا أنه يكون في كل الأوقات؛ كما في هذا الحديث، حيث يقول صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "ألا"، أي: هل، "أنبئكم بخير أعمالكم"، أي: أخبركم وأعلمكم بأفضل أعمالكم وأشرفها، "وأزكاها"، أي: أنماها وأطهرها وأنقاها، عند "مليككم"، المليك بمعنى المالك، وهو الله عز وجل؛ فهو الملك والمالك سبحانه وتعالى، "وأرفعها في درجاتكم"، أي: منازلكم في الجنة يوم القيامة، "وخير لكم من إنفاق"، أي: التصدق وبذل أموالكم من "الذهب"، وهو المعدن المعروف، "والورق"، أي: الفضة، "وخير لكم من أن تلقوا عدوكم" من الكفار للقتال، "فتضربوا أعناقهم"؛ وذلك بأن تقتلوهم، "ويضربوا أعناقكم؟" بأن يقتلوكم، وهذا بيان لبذل النفوس، "قالوا"، أي: صحابة النبي صلى الله عليه وسلم الحاضرون معه: "بلى"، أي: أخبرنا بهذا العمل الذي له هذا الثواب العظيم، "قال" رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذكر الله تعالى"، في كل الأوقات وعلى جميع الهيئات والحالات، "قال معاذ بن جبل"، ابن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدي بن كعب بن عمرو الأنصاري الخزرجي رضي الله عنه: "ما شيء أنجى"، أي: أعظم الأشياء التي ينجو بها العبد يوم القيامة، "من عذاب الله" وعقابه وسخطه وناره، "من ذكر الله" تعالى في جميع الأوقات وعلى جميع الهيئات
وهذا من فضل الله على عباده وتكرمه عليهم؛ فإن إدامة الذكر تنوب عن التطوعات، وتقوم مقامها، سواء كانت بدنية أو مالية، وقد جاء ذلك صريحا في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفلا أعلمكم شيئا تدركون به من سبقكم، وتسبقون به من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة"، الحديث، فجعل الذكر عوضا لهم عما فاتهم من الحج والعمرة والجهاد، وأخبر أنهم يسبقونهم بهذا الذكر، فلما سمع أهل الدثور بذلك عملوا به فجمعوا إلى صدقاتهم وعبادتهم بمالهم التعبد بهذا الذكر، فحازوا الفضيلتين
وفي الحديث: فضل الذكر والحث على الإكثار منه، وتفاوت الأعمال في الشرف.
وفيه: أن الله عز وجل يتفضل بالثواب الكبير على العمل اليسير.