مسند الصديقة عائشة بنت الصديق رضي الله عنها 161
مسند احمد

حدثنا هاشم بن القاسم، قال: حدثنا مبارك، عن الحسن، عن سعد بن هشام بن عامر، قال: أتيت عائشة، فقلت: يا أم المؤمنين، أخبريني بخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: " كان خلقه القرآن، أما تقرأ القرآن، قول [ص:149] الله عز وجل: {وإنك لعلى خلق عظيم} [القلم: 4] "قلت: فإني أريد أن أتبتل، قالت: " لا تفعل، أما تقرأ: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة} [الأحزاب: 21] حسنة؟ فقد تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ولد له "
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم المَثلَ الأعْلى في الأخْلاقِ الحَميدةِ، وسُنتُه هي نِبْراسُ حَياتِنا، ويَنبَغي علينا اتِّباعُه في كُلِّ أُمورِه، والاقتداءُ بأخلاقِه
وفي هذا الحديثِ يقولُ التَّابِعيُّ سَعدُ بنُ هِشامٍ: "أتيْتُ عائشةَ، فقُلْتُ: يا أُمَّ المُؤمِنينَ، أخْبِريني بخُلقِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قالت: كان خُلُقُه القُرآنَ"، والخُلقُ هو الطَّبعُ، وقيلَ: الدِّينُ، والمَعنى: كانتْ أخْلاقُه مُتَّصِفةً بالكَمالِ الذي أخبَرَ به القرآنُ في كلِّ خُلقٍ، ويَأتمِرُ بما أمَرهُ اللهُ تعالى فيه، ويَنْتَهي عمَّا نَهى اللهُ عنه قولًا وفِعلًا، مُؤمِنًا بوَعْدِه ووَعيدِه إلى غيرِ ذلك؛ فكان خُلقُه جَميعَ ما حصَلَ في القُرآنِ مِن كلِّ ما استحْسَنَه وأثْنى عليه ودَعا إليه، فقد تَحلَّى به، وكلُّ ما اسْتَهْجَنه، ونَهى عنه تَجنَّبَه وتَخلَّى عنه، فكان صاحبَ خُلقٍ عظيمٍ، فقيهَ النَّفسِ، كثيرَ العِبادةِ، كاملَ الإيمانِ والصِّدقِ، والشَّجاعةِ والصَّبرِ، والعِفَّةِ والحِلْمِ، وغيرِ ذلك، فكأنَّكَ تَرى القُرآنَ إنسانًا في شَخصِ النَّبيِّ الكريمِ. ثمَّ قالتْ عائشةُ رضِيَ اللهُ عنها: "أمَا تَقرَأُ القرآنَ؛ قولَ اللهِ عزَّ وجلَّ: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]"، وهذا إقرارٌ لِمَا تقدَّمَ مِن بيانِ خُلقِه. قال سعدٌ: "فإنِّي أُريدُ أنْ أتبَتَّلَ" والتَّبتُّلُ، هو: تَركُ الزَّواجِ، والانقطاعُ إلى العِبادةِ، "قالت: لا تَفعَلْ" لا تَتبتَّلْ، "أمَا تَقرَأُ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]؟؛ فقد تَزوَّجَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقد وُلِدَ له"، والمُسلمُ مَأمورٌ باتِّباعِ سُنةِ نَبيِّه في أقوالِه وأفعالِه، وكلِّ شيءٍ، وقد قال اللهُ عزَّ وجلَّ: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [الرعد: 38
وفي الحديثِ: بيانُ عَظمةِ خُلقِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأنَّها كانتْ في المكانةِ الأسْمى
وفيه: أنَّ القُرآنَ مُستَقًى لكلِّ الأخْلاقِ الكَريمةِ
وفيه: أنَّ الإسلامَ دِينُ تَعميرٍ للحياةِ
وفيه: أنَّ الرَّهْبانيَّةَ ليسَتْ مِنَ الإسْلامِ