فصل من البر والإحسان245
صحيح ابن حبان

أخبرنا بكر بن أحمد بن سعيد الطاحي العابد بالبصرة حدثنا نصر بن علي بن نصر أخبرنا أبي عن شعبة عن قرة بن خالد عن قرة بن موسى الهجيمي عن سليم بن جابر الهجيمي
[عن سليم بن جابر الهجيمي] 1قال انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو محتب في بردة له وإن هدبها لعلى قدميه فقلت يا رسول الله أوصني قال "عليك باتقاء الله ولا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستقي وتكلم أخاك ووجهك إليه منبسط وإياك وإسبال الإزار فإنها من المخيلة ولا يحبها الله وإن امرؤ عيرك بشيء يعلمه فيك فلا تعيره بشيء تعلمه منه دعه يكون وباله عليه وأجره لك ولا تسبن شيئا قال فما سببت بعده دابة ولا إنسانا 2 "
مِمَّا حَثَّت عليه الشَّريعةُ حِفظُ اللِّسانِ؛ فمَن كان متكَلِّمًا فلا يَتَكَلَّمْ إلَّا بخَيرٍ، ويَجتَنِبُ كُلَّ قَولٍ باطِلٍ مِن سَبٍّ أو غِيبةٍ أو إساءةٍ لأحَدٍ، وبهذا كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يوصي مَن يَطلُبُ مِنه النَّصيحةَ؛ فقد جاءَ أعرابيٌّ -وهو مَن يَسكُنُ الباديةَ، واسمُه جابِرُ بنُ سُلَيمٍ أبو جُرَيٍّ الهُجَيميُّ- لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقال: يا رَسولَ اللهِ، أوصِني؟ فقال رَسولُ اللهِ: عليك بتَقوى اللهِ، وهذه وصيَّةٌ عَظيمةٌ، ومَعناها: أن يَجعَلَ العَبدُ بَينَه وبَينَ مَحارِمِ اللهِ وِقايةً وسَترًا فلا يَقَعُ فيها، وكثيرًا ما كان النَّبيُّ يوصي أصحابَه بهذه الوصيَّةِ، ثُمَّ قال له: وإنِ امرُؤٌ عيَّرَك، أي: وبَّخَك ولامَك، بشَيءٍ يَعلَمُه فيك، أي: مِنَ الذَّنبِ أوِ الأفعالِ القَبيحةِ، فلا تُعَيِّرْه -أي: توبِّخْه وتَلُمْه- بشَيءٍ تَعلَمُه فيه؛ وذلك حَتَّى يَكونَ وبالُه، أي: إثمُ وعاقِبةُ التَّعييرِ عليه، والوَبالُ هو سوءُ العاقِبةِ، وأجرُه لَك، أي: ثَوابُه لَك بتَركِك لحَقِّك وعَدَمِ انتِصارِك لنَفسِك، وكُفَّ عن مُقابَلَتِه بما يَستَحِقُّه مِن إذاعةِ نَقائِصِه ومواجَهَتِه بها، واحتَمِلْ أذاه، ثُمَّ قال له: ولا تَسُبَّنَّ شيئًا، أي: لا تَشتُمْ، وهذا عامٌّ يَشمَلُ عَدَمَ سَبِّ النَّاسِ أوِ الحَيَواناتِ أو غَيرِها؛ ولهذا جاءَ في رِوايةٍ أُخرى أنَّه قال -أي الصَّحابيُّ-: فما سَبَبتُ أحَدًا حُرًّا ولا عَبدًا، شاةً ولا بَعيرًا، فيَصيرُ الإنسانُ بذلك حافظًا للِسانِه، يَقولُ الأعرابيُّ: فما سَبَبتُ شَيئًا بَعدَه؛ امتثالًا لِما أرشَدَه إليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وفي الحَديثِ مَشروعيَّةُ طَلَبِ الوصيَّةِ.
وفيه عِظَمُ الوصيَّةِ بتَقوى اللهِ تعالى.
وفيه خُطورةُ تَعييرِ الآخَرينَ.
وفيه خُطورةُ السَّبِّ .