إباحة التزوج بغير صداق 2
سنن النسائي
أخبرنا أحمد بن سليمان، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، أنه أتي في امرأة تزوجها رجل، فمات عنها ولم يفرض لها صداقا، ولم يدخل بها، فاختلفوا إليه قريبا من شهر لا يفتيهم، ثم قال: «أرى لها صداق نسائها، لا وكس ولا شطط، ولها الميراث، وعليها العدة»، فشهد معقل بن سنان الأشجعي، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في بروع بنت واشق بمثل ما قضيت»
لقدْ أنزَلَ اللهُ عزَّ وجلَّ كتابَه العظيمَ وأمَرَ رسولَه الكَريمَ أنْ يُبيِّنَه للنَّاسِ؛ فما مِن شيءٍ إلَّا وبيَّنَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم كما أمَرَه ربُّه، لكنْ قد يَخْفى هذا البيانُ على بعضِ العُلماءِ
وفي هذا الحديثِ أنَّ عبدَ اللهِ بنَ مَسعودٍ رضِيَ اللهُ عنه قال "في رجُلٍ"، أي: سُئِلَ عَن رجلٍ، "تزَوَّج امرأةً"، أي: عقَدَ عليها، فماتَ عنها ولم يَدخُلْ بها "ولم يَفرِضْ"، أي: ولم يُقَدِّرْ ويُحَدِّدْ، لها "الصَّداقَ"، وهو مَهْرُ المرأَةِ، فقال عبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ: "لها الصَّداقُ كامِلًا"، مِثلَ مهْرِ نِساءِ قَومِها، "وعليها العِدَّةُ"، أي: عِدَّةُ المُتوَفَّى عنها زوجُها، "ولها الميراثُ"، أي: في مالِ زَوْجِها
فقال مَعْقِلُ بنُ سِنانٍ: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم "قضَى به"، أي: بما قَضى به عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ، "في بِرْوَعَ بنتِ واشِقٍ". "وفي روايةٍ" أُخرى لهذا الحديثِ: قال عبدُ اللهِ بنُ عُتبةَ بنِ مسعودٍ: "اختلَفوا"، أي: استمَرَّ الأشجَعيُّون في الذَّهابِ "إليه"، أي: إلى ابنِ مَسعودٍ، "شهْرًا" لا يُجيبُهم ويتَأمَّلُ في المسألَةِ ويَجتِهُد فيها، "أو"، الشَّكُّ مِن الرَّاوي، "قال"، أي: الرَّاوي: "مرَّاتٍ"، أي: فاختَلَفوا إليه مرَّاتٍ كثيرةً، "قال" ابنُ مَسعودٍ بعدَ مُضِيِّ الشَّهرِ، "فإنِّي أقولُ"، باجتِهادي، "فيها"، أي: في هذه القضيَّةِ أو المسألَةِ: "إنَّ لها"، أي: المرأةِ الَّتي تُوُفِّي عنها زَوجُها ولم يَدخُلْ بها ولم يُسَمِّ لها، "صَداقًا" كامِلًا، "كصَداقِ نِسائِها"، أي: نساءِ قوْمِها؛ كأخَواتِها وبَناتِ أَعْمامِها وعَمَّاتِها الَّتي تُشارِكُهنَّ في المالِ والجَمالِ والثُّيوبَةِ والبَكارَةِ، "لا وَكْسَ"، أي: لا نَقْصَ، "ولا شطَطَ"، أي: ولا زيادةً وجَورًا وعُدوانًا، "وإنَّ لها الميراثَ" مِن مالِ زوْجِها المتوفَّى، "وعليها العِدَّةُ"، عِدَّةُ المتوفَّى عنها زوجُها، "فإنْ يكُ" حُكمي وقَضائي هذا "صَوابًا"، أي: مُوافِقًا لِشَرْعِ اللهِ، "فمِن اللهِ"، أي: مِن تَوفيقِه وتَسْديدِه، "وإنْ يكُنْ" هذا الحُكمُ، "خطأً"، غيرَ موافِقٍ للشَّرعِ، "فمِنِّي"، أي: مِن قُصورِ عِلمي، "ومِن الشَّيطانِ"، أي: مِن تَسويلِه وتَلبيسِه، "واللهُ ورسولُه بَريئانِ" مِن الخطَأِ؛ لأنَّ الله عزَّ وجلَّ ورسولَه قد بيَّنوا كلَّ شيءٍ في الكتابِ والسُّنَّةِ
قال: "فقام ناسٌ مِن أشْجَعَ، فيهِمُ "الجرَّاحُ"، الأشْجَعِيُّ، "وأبو سِنانٍ" الأشجعِيُّ؛ قيل: هو مَعْقِلُ بنُ سِنانٍ، فقالوا: يا ابنَ مسعودٍ، نحن نشهَدُ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم "قَضاها"، أي: القضيَّةَ الَّتي قَضاها عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ، "فينا في بِرْوَعَ بنتِ واشِقٍ، وإنَّ زوْجَها هلالُ بنُ مرَّةَ الأشْجعيُّ كما قضيْتَ، قال"، أي: عبدُ اللهِ بنُ عُتبةَ بنِ مَسعودٍ، "ففَرِحَ عبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ فرَحًا شديدًا" بذلك، "حين وافَق قَضاؤُه قَضاءَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، ووفَّقَه اللهُ تعالى للصَّوابِ ومُوافقَةِ الحقِّ
وفي الحديثِ: التَّأنِّي في الفَتوى، وعدَمُ العجَلَةِ فيها