مسائل العشر

بطاقات دعوية

مسائل العشر
بقلم م / أحمد سيف
الحمد لله وبعد،
 أذكر في هذا المقال في جملة من  مسائل العشر الأُول، أعرج فيها على شيئ من الأحكام والأحوال والمستحبات؛ راجيًا من الله السداد والقبول:
إن أعظم ما يرجوه المرء في تلكم الأيام والليالي خاصة وفي جميع عمره عامة= رحمة الله الرحمن الرحيم. 
والله - تقدست أسماؤه - خلق الناس كافة، فمنهم شقي وسعيد. 
والخلق يتباينون في هذه الحياة الدنيا كفرًا وإسلامًا،  وأهل الإسلام في سعيهم على مراتب ثلاث:
- ظالم لنفسه.
- مقتصد.
- سابق بالخيرات.
وفي كل مرتبة منازل ودرجات..
بيد أن أكثرنا من أولئك الذين خلطوا عملًا صالحًا، وآخر سيئًا، ونحن اليوم في ذلك متفاوتون؛ فمُقل ومُستكثر! 
 
وبغية هؤلاء المعترفين بذنوبهم المقرين بجرمهم تتمثل يومئذٍ في قوله عز وجل: [ وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ]
والناظر في آيات الله وأحوال الأمم والأنبياء والسلف الصالحين يعلم أن غاية أهل الله وخاصته= رجاء رحمة الله،  مهما بلغ عظيم أعمالهم، وأعظمهم محمد - صلى الله عليه وسلم - إذ يقول في الصحيح: ولا أنا.. إلا أن يتغمدني الله برحمته! 
وهذا أصل عظيم في فهم ماهية ابتغاء رحمات الله ونفحات أيامه. 
وأهل التقصير - أمثالنا - بذلك أحق سعيًا وجهدًا. 
وها نحن اليوم قد أقبلنا على موسم من مواسم الله العظيمة؛ العشر من ذي الحجة؛ الأيام الأعظم شرفًا وقدرًا. 
                                   ***

وكلام الفقهاء في أفضلية العشر سألجه من بابين:
أولًا: ما يتعلق بالنهار. 
ولا خلاف بين أهل العلم أن نهار العشر من ذي الحجة أفضل العام كافة،  فلا يعدل نهار العشر شيء من الأيام. 
ثانيًا: ما يتعلق بالليل. 
والعلماء في ذلك يتنازعون على قولين:
أولهما: تفضيل ليالي العشر الأواخر من رمضان لكونها ليالي الإحياء،  وفيها ليلة القدر، اختاره ابن تيمية. 
ثانيهما: تفضيل ليالي العشر من ذي الحجة لعموم النص في التفضيل كما عند البخاري: ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام..
 واليوم في كلام العرب يشمل الليل والنهار، واختاره ابن رجب، وقال: وتحقيق ذلك أن مجموع العشر أفضل وإن كان في رمضان ليلة لا يفضلها سواها، يعني القدر. 
                                ***
وأعظم ما تُنال به رحمةُ اللهِ= استقبال أيامه ومواسم عبادته بالتوبة النصوح. 
والتوبة أول منازل السير وآخرها وأوسطها، وبها تنكشف العقوبات ويزول الحرمان؛  فالذنوب هي باب المنع والحرمان الأعظم. 
ومسالك جماهير السلف والأئمة المتقدمين= أن نصوص المغفرة الواردة في مواسم الطاعات والعبادات والأعمال منوطة بالصغائر دون الكبائر، حكى ابن عبد البر اتفاقهم عليه. 
وأنت ترى هاهنا لزوم التوبة للكبائر كافة. 
يعني: الجمهور يشترطون تخصيص الكبائر بالتوبة؛ فلا يكفر عندهم الكبائر شيء من الأعمال إلا التوبة!
وجمهرة المتفقهين على رجاء قبول توبة من استجمع الشروط واللوازم على حقيقتها، نص عليه ابن رجب. 
أعني: ترك الذنب، والندم، والعزم على عدم العودة، ورد المظالم بضوابطها المشتهرة.
ومن فقه التوبة= العموم؛ بجعلها عامة للذنوب كافة،  وتأخيرها ذنب من جملة الذنوب؛  فإن أتى بها بعد الذنب بزمن لزمه هاهنا توبتان؛  توبة الذنب، وتوبة الإرجاء المتمثلة في تأخير التوبة من الذنوب،  وعموم التوبة يكفيه مؤنة ذاك. 
يعني: ينوي أن تكون توبته عامة لكل ما مضى من عمره؛ فالإنسان لا يكاد يحصي ذنوبه ولا أيام العصيان ولياليه، والله يعفو عنا!
ومن حسن الفهم عن الله إقران التوبة بحسن الظن بالرب، وشواهده من الوحي مستفيضة، ومن أعظمها حديث الشيخين: أنا عند ظن عبدي بي. 
ومعناه: أن تظن بالله خيرًا وترتجي منه القبول والتوفيق في نفحاته وأيامه. 
وأن تثق بالله وموعوده لعباده التائبين.
                                 ***
وأما أيام العشر جاء ذكرها في كتاب الرب غير مرة؛ فهي الأيام المعلومات في قوله تعالى: [ لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ ].. وهي الليالي العشر في قوله تعالى: [ وَالْفَجْرِ (*) وَلَيَالٍ عَشْرٍ ].. وإليه  ذهب الجماهير.
وأفضل مصارفها= طاعة الله وتعميرها بمرضاته. 
وكل عمل فيها يفضل مثيله من نفس جنسه ورتبته في غير العشر؛  فالصلاة المفروضة فيها أعظم من الصلاة المفروضة في غيرها،  والصلاة النافلة فيها أعظم من النافلة في غيرها،  وكذا الصدقة والصيام وسائر العمل. 
والمقارنة هنا منعقدة بين الأجناس المتشابهة فتنبه لذلك؛ يعني لا يصح مثلًا أن نقول صلاة النافلة في العشر خير من صلاة الفريضة في غيرها.
ومن أعظمها الحج لمن استطاع، وأعلاه المبرور. 
والصلاة المفروضة والحفاظ على وقتها وأركانها.. والجماعة واجبة عند أحمد وغيره على التعيين. 
ويستحب فيها القيام والوتر تأكيدًا، وكذا النوافل والرواتب فيها عظيمة؛ كالضحى وغيرها.
كذا المكوث في المساجد من الفجر  إلى الأشراق.. وفضله عظيم مشتهر!
وصيام التسع= مستحب عند الأكثرين .. والقول بالتبديع غاية الضعف والإبعاد عن لغة الفقهاء وصنيعهم.
وآكد التسع صيام يوم عرفة - لغير حاج - واستحبابه مشهور متواتر؛ وفيه مغفرة سنتين. 
والقرآن كلام الله أعظم الذكر،  تكلم به ربنا - حقيقة - لا مجازًا، وأهل السنة يؤمنون أن كلام الله غير مخلوق! والاستكثار من القراءة منه وحفظه ومراجعته في أيام العشر شأنه بالغ وأثره نافع،  وتحري ختمة فيها عمل حسن،  والجمهور - فيما أفهم - على تفضيل القراءة بتدبر ولو قل المقروء! 
ومس الحائض والمحدث للمصحف دون حائل محرم عند عامة أهل العلم،  نقله ابن عبد البر عن الأئمة وفقهاء الأمصار. 
والحائض تقرأ من حفظها، ومن المصحف بحائل،  وهو قول مشتهر عند المالكية، والقول به من الفقه الحسن. 
ومن الأعمال العلية في العشر= الذكر، ومن أعظمه التكبير الوارد،  وأشهر الصيغ: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله،  والله أكبر أكبر ولله الحمد.. اختاره الموفق ابن قدامة. 
والله أكبر الله أكبر الله أكبر،  لا إله إلا الله،  الله أكبر الله أكبر ولله الحمد..  اختاره النووي. 
والأمر في هذا واسع. 
والتكبير الجماعي ليس ببدعة كما يظن أكثرهم،  وليس بمستحب في ذاته. 
والتكبير مطلق ومقيد. 
فالمطلق،  من طلوع فجر أول أيام العشر إلى فراغ الخطبة يوم العيد في مشهور مذهب أحمد،  وإلى الإحرام بالصلاة عند الشافعية..  وقيل يستمر إلى غروب شمس آخر أيام التشريق.
 والمقيد= أدبار الصلوات المكتوبات،  وفي تخصيص الجماعة دون الانفراد في مذهب أحمد روايتان،  ومشهور المذهب التخصيص،  فيكون التكبير المقيد لمن حضر الصلاة في جماعة، رجلًا كان أو امرأة. 
وبداية المقيد من فجر يوم عرفة- لغير حاج - إلى عصر ثالث أيام التشريق. 
والإتيان بالذكر مرة يجزئ، وثلاث حسن. 
والجهر بالتكبير في الطرقات والإسواق من شعائر الله وسنن الأولين.
ويستحب ملازمة أذكار الصباح والمساء والصلوات والنوم وخلافه،  وملازمة الأذكار المطلقة - عمومًا - كالاستغفار والتسبيح وخلافه.. كذا الصلاة على النبي محمد عليه وآله وأمهات المؤمنين أكمل الصلوات وأتمهن.
ومن أعالي الذكر الدعاء،  وآدابه مشهورة آكدها الطهارة واستقبال القبلة ورفع اليدين والبداءة بحمد الله والثناء عليه والصلاة على رسوله،  وتقديم صدقة بين يدي الدعاء مسبوقة بتوبة وإنابة من دواعي الإجابة، ومسح الوجه بعد الدعاء  مندوب عند الجمهور. 
والأضحية من أعلى القربات،  ينوي بها الرجل عن نفسه وأهله،  وهجر أخذ الشعر والأظفار في العشر واجب عند فقهاء الحنابلة، مكروه - تنزيهًا - عند الشافعية، وقيل مثله عند المالكية، ومباح عند الأحناف،  والخروج من الخلاف من مسالك أهل العلم المعتبرة، وتعظيم شعائر الله من القربات، وتبجيل سنة رسوله= قربة وتودد إلى الله الودود.
 وتخصيص صدقة يومية في أيام العشر من جملة العمل الصالح. 
وبر الوالدين في الحياة والممات من جميل ما يُتقرب به إلى الملك الودود،  والحرص عليه في العشر مضاعف الأجر والمنزلة. 

وكذا كل عمل صالح من بر وطاعة وإحسان،  ومن جملته أمر من تعول بملازمة الصالحات وحثهم عليها.. 
ومثله يُقال في الزكاة؛ خاصة لمن عجز عن حساب الحول كأصحاب الرواتب وغيرهم من المتعين في حقهم الزكاة؛ فإن خصص لها العشر من كل عام كان فعله مرجو الثواب لفضيلة العشر.
ومن جليل العمل وأعظمه وغايته ومنتهاه= توحيد الله عز وجل في عبادته وملكه وحاكميته، وموالاة أهل الإيمان ومعاداة من حاد الله ورسوله، وبغض ما هم عليه.
والبراءة من الظلم وأهله وأعوانه= دين! يُتقرب به إلى الله.
وإنكار المنكر ولو بالقلب، وبغضه أيضًا دين! 
ومن أعظم الأعمال قاطبة= ترك المحرم،  ومعالجة فساد القلب ومفارقة الذنب المستحكم من النفوس والقلوب،  وأعظم سبل ذلك القرآن، تدبرًا وفهمًا وعملًا. 
وأعظم النوافل بعد الجهاد العلم، عبادة السر، وهو مشهور مذهب أحمد وجماعة..
وطلبه أعظم القربات، وصرف الوقت فيه= تعبد وقربة.
ومن أعظمه حفظ القرآن ومراجعته.
ولعل من جميل عمل القلب اليوم وقد تطايرت بنا الفتن كل مطار= انكسار القلب لله، والاعتراف بالذنب وإقرار ما أحل الله وتحريم ما حرمه والبداءة في ذلك بأنفسنا.
تلكم جملة من الأحكام والمسائل،  حاولت جمعها واختصارها،  ولست لذلك أهلًا ولا مثلًا، عسى أن ينتفع بها من ينتفع،  والله الموفق المستعان. 
فما أتيت به على وجهه وصوابه فمن الله صاحب الفضل والمنة،  وما أسأت فيه فمن نفسي والشيطان،  والله أسأل أن يفقهني وإياكم في دينه.. وأن يغفر لي ما أمرتكم به وأنا هاجره، وما نهيتكم عنه وأنا فاعله!
والكريم من وجد عيبًا فستره والتمس المعاذير، وأعوذ بالله من شر نفسي وهواها..
وبراءة إلى الله من إشراك خفي وخشوع نفاق.
ومن الله وحده أرجو فلاحًا لي ولكم،  وتوفيقًا وقبولًا،  فرحمته رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما وسعت كل شيء. 
وصلى الله على محمد،  والحمد لله أولًا وآخرًا.