باب {ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق}

بطاقات دعوية

باب {ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق}

 عن ابن عباس - رضى الله عنهما: صارت الأوثان التى كانت فى قوم نوح فى العرب بعد، أما (ود) كانت لكلب بدومة الجندل، وأما (سواع) كانت لهذيل، وأما (يغوث) فكانت لمراد ثم لبنى غطيف بالجوف (200) عند سبأ، وأما (يعوق) فكانت لهمدان، وأما (نسر) فكانت لحمير لآل ذى الكلاع، أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبواإلى مجالسهم التى كانوا يجلسون أنصابا، وسموها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم؛ عبدت.

الغُلُوُّ في الصَّالِحين بالمُبالَغةِ في مَدحِهم، أو بتَصويرِهم ونَصْبِ الصُّوَرِ والتَّماثيلِ لأشخاصِهم، أو بتَشييدِ القُبورِ والأضرِحةِ عليهم بعْدَ مَوتِهم، وغيرِ ذلك؛ هذا كلُّه مَنهيٌّ عنه؛ لأنَّه وَسيلةٌ تُوصِلُ للشِّركِ باللهِ تعالَى.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رضِي اللهُ عنهما عن بَدءِ التحَوُّلِ من التوحيدِ إلى الشِّركِ وعِبادةِ الأوثانِ، ووصولِ عِبادةِ الأصنامِ للعَرَبِ؛ فيَذكُرُ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ الأوثانَ التي عبدها قومُ نبيِّ اللهِ نوحٍ عليه السَّلامُ في القِدَمِ وأُهلِكوا بسَبَبِها، قد انتقَلَت إلى العَرَبِ فيما بعْدُ وعَبَدوها. و(الأوثانُ) جمعُ وَثَنٍ، وهو: كالصَّنمِ، وقيل: كالنُّصُبِ، والصَّنمُ هو ما كان له صورةٌ، والنُّصُبُ: ما كان مِنَ الحَجَرِ أو غيرِه وليس له صورةٌ. وقد ذكر اللهُ عزَّ وجَلَّ أسماءَ هذه الأوثانِ في كتابِه العزيزِ في قَولِه تعالى: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح: 23].
ويُبَيِّنُ ابنُ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما مَوضِعَ هذه الأوثانِ التي استقَرَّت فيه في بلادِ العَرَبِ، فكان وَدٌّ لقَبيلةِ كَلبٍ بدَومةِ الجَندلِ، وهي مدينةٌ بالقُرْبِ مِن تَبُوكَ، شَمالِيَّ الممْلكةِ العَربيَّةِ السُّعوديَّةِ قُرْبَ جَبلِ طيِّئٍ شَمالَ مدينةِ تيماء، وتبعُدُ عنها 450 كيلومترًا. وأمَّا سُواعٌ فكان لقَبيلةِ هُذَيلٍ المُضَرِيَّةِ، وقد ظَلَّ هذا الوَثَنُ مَنصوبًا تَعبُدهُ هُذيلٌ وتُعَظِّمُهُ وكانوا يَحُجُّون إليه حتَّى فُتِحَتْ مكَّةُ ودخَلَت هُذيلٌ فيمَن دخَل في دِينِ اللهِ أفواجًا، وكان مَوضِعُه بِرُهاطٍ على قُرابةِ 150 كيلومترًا شمالَ شَرقيِّ مكَّةَ، وقد بعَثَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَمرَو بنَ العاصِ إلى سُواعٍ فهدمه، وكان هذا في رمضانَ مِن العامِ الثَّامِنِ مِنَ الهِجرةِ.
وأمَّا يَغُوثُ فكان لِقَبيلةِ مُرادٍ، ثُمَّ لِقبيلةِ بني غُطيفٍ مِن بعْدِهم، وكانوا بِالجَوْفِ، وهو اسمُ وادٍ في اليمنِ، وأمَّا يَعُوقُ فكانَ لِقَبيلةِ هَمْدانَ، وأمَّا نَسْرٌ فكان لقَبيلةِ حِميرَ لآلِ ذي الكَلاعِ.
ويُخبِرُ ابنُ عبَّاسٍ رضِي اللهُ عنهما عن التدرُّجِ الذي ظهَرَت به عبادةُ الأصنامِ مع قومِ نوحٍ عليه السَّلامُ بعْد أن كان فيهم التوحيدُ الخالِصُ للهِ عزَّ وجلَّ، فيُبَيِّنُ أنَّ ذلك حَدَث بسَبَبِ غُلُوِّهم في رِجالِهم الصَّالحينَ؛ فإنَّهم بعدَ أنْ ماتوا سوَّلَ لهمُ الشَّيطانُ أنْ يَصنعوا لهمُ أصنامًا، وأن يُسَمُّوها بأسمائِهم، ويُقيموها في مجالِسِهم التي كانوا يَجلِسون فيها؛ تخليدًا لذِكْراهم واعترافًا بفَضلِهم، وظلَّتْ هذه الأوثانُ والأنصابُ قائِمةً، فلمَّا ماتَ هؤلاء القومُ وتعاقبَتْ ذرِّيَّاتُهم، وزالَ العِلمُ وارتفعَ، فلم يَعُدِ النَّاسُ يَعرِفون ما أَصْلُ هذه الأوثانِ، حتى جاء مِن ذرِّيَّاتِهم مَن ظَنَّ أنَّ تلك الأوثانَ تُعبَدُ مِن دونِ اللهِ، فعُبِدَت مِن دونِ اللهِ عزَّ وجلَّ.