الوباء ما بين التوكل والدواء

بطاقات دعوية

الوباء ما بين التوكل والدواء

الحمد لله.. وبعد،

·    تعلق القلب بالله حال البلاء وترك الالتفات إلى الأسباب - ولو مع الأخذ بها - أو مجرد التقليل من الالتفات للسبب وهجر الاتكاء عليه= معنى عظيم جدًا من

معاني التوحيد.

بل وأستطيع أن أقول: إن هذه إحدى أعظم العبادات التي يُتقرب بها إلى الله ويُتوسل بها لرفع البلاء أو المرض.

                                    ***

·   من المتقرر الواضح عند أهل العلم أن التداوي بالتوكل ودعاء الله والطلب منه والذكر والصلاة على النبي والرقى المأثورة= من أنفع ما  يسلكه المريض طلبًا للشفاء..

وهذا معنى مهم لا نكاد نعقله بقلوبنا لعوامل كثيرة؛ منها ضعف الحالة الإيمانية.. وتأثرنا بالمادية واستغراقنا في ثقافة الأسباب عمومًا..

·    مذهب عامة الفقهاء في مسألة التداوي بالدواء= عدم الوجوب.. يعني التداوي بالطب والدواء عندهم ليس بواجب؛ بل هو مباح.. ويتنازعون في صورة ما قد يؤدي إلى التلف من داء أو مرض؛ فأوجبته - أي التداوي - طائفة.

·    إذن التداوي عندهم مباح؛ خلافًا لطائفة من غلاة التصوف قالوا بحرمته؛ باعتبار كونه منافيًا للتوكل والتوحيد الواجب؛ وهذا قول بعيد في المجمل.

                                    ***

·    مذهب الإمام أحمد أن ترك التداوي بالدواء - وهو مباح - أولى انطلاقًا من أدلة عامة وخاصة؛ منها حديث المرأة التي أتت النبي - صلى الله عليه وسلم -

شاكية من الصرع طالبة للدعاء بالشفاء؛ فأوصاها صلى الله عليه وسلم بالصبر مقابل الجنة.. كذا استدلوا بترك خلق من الصحابة للتداوي؛ بل وبعضهم قد آثر

المرض.

لذلك مشهور المذهب استحباب تركه وإن كان في أصله مباح.

·    وورد عن الإمام أحمد أثر سأنقله لمعنى أريده وسأعقب عليه..

قال: أحب لمن اعتقد التوكل= ترك التداوي من دواء وغيره.

                                   ***

·    هل معنى هذا الكلام أننا نوصي بترك التداوي بالطب؟

الإجابة: لا..

أكرر: الإجابة: لا!

 بل نحث الناس على الأخذ بالإسباب المباحة من اتباع تعليمات الأطباء وتناول الأدوية النافعة بإذن الله..

خاصة وأن هذه المعاني المذكورة في أثر الإمام أحمد وكلام الفقهاء لا تتأتى لأكثر الناس؛ وبالأخص أمثالنا في مثل هذا الزمان المادي قليل البركة من الذين لم تستقر في

قلوبهم هذه المعاني ولم يعتادوا عليها.

بالمناسبة هذه المعاني هي من كمال التوحيد التي ينبغي السعي لتحصيلها، حتى وإن حصل المرء أصل التوحيد اللازم؛ يُندب له السعي في الكمالات.

·    طيب لماذا نذكر هذه الآثار والأقوال؟

ذكر هذه المعاني ومحاولة استحضارها له فائدة عظيمة؛ أنه يخرج القلب من ضيق الأسباب إلى سعة التعلق بالله..

كذا ليتعلم المرء أن لا يعول على الدوران في فلكه المحدود؛ وأن تعقل نفسه الأفلاك الأوسع التي ربما لم يدركها يومًا لشدة استغراقه وتعويله على الأسباب الظاهرة.

يعني يا جماعة نحن رغم ضعف إيماننا وقلة اليقين في قلوبنا مطالبون بالسعي في استحضار هذه المعاني ومجاهدة أنفسنا في سبيل تحصيل شيء منها.

                                ***

·    إذن ما المطلوب الآن لمن أصابه المرض بهذا الوباء؟

المطلوب أن لا يقتصر على الأسباب المادية..

اذهب للطبيب واحرص على الدواء النافع نعم؛ لكن الأهم من ذلك أن تحرص على الأسباب الشرعية من توكل على الله وتعلق القلب به وسؤاله الشفاء ومواظبة على

الأذكار والآثار الواردة التداوي بها..

ومن المهم جدًا اعتقاد النفع في هذه الأسباب أكثر من اعتقاد النفع في الدواء، وهذا عمل القلب؛ وهو أنفع ما يكون للخلاص من المرض بإذن الله.

يعني ينعقد قلبك على أن الأمل في تحصيل الشفاء بهذه الأسباب أكبر بكثير من رجاء تحصيله بالطب.

·   هذا الدواء الشرعي لا ينفع المرضى فحسب؛ بل هو نافع أيضًا لمن يخشى المرض..

التوكل والدعاء والتزام الأذكار وخلافه هذا أهم بكثير من الأخذ بأسباب الوقاية الظاهرة من معقمات وخلافه مع الأخذ بها طبعًا دون التوكل عليها؛ بل حدثني صديق

لي عن أناس أصابهم المرض في عقر دارهم في العزل.

تلك عشرة كاملة أردت بها استيفاء شيء يسير من حديث هذه الساعة، وإلا فالأمر يطول والكلام كثير.

أسأل الله أن يشفي إخواننا وأخواتنا ممن مسهم الضر وأن يعافيني وإياكم.