أحكام الكلب في شريعة الرَّب 1

بطاقات دعوية

أحكام الكلب في شريعة الرَّب 1


الكلب ذلك الحيوان الَّذي ينتمي لفصيلة السِّباع دارت بسببه معارك واسعة في كُتُب الفقه، ومِن أوَّل هذه المسائل وأكثرها جدلًا هل هو طاهر أم نجس ؟، وسأتناول هذه المسألة بطريقة مُبسَّطة:


  • الأصل في الأعيان الطَّهارة، قال تعالى: { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا } ( سورة البقرة: 29 )، فالله عز وجل لا يمتن على النَّاس بشيءٍ غير نافع، وممَّا لا شك فيه أنَّ النَّجاسة مِن أكبر موانع الانتفاع بما خلق الله مِن النِّعم.
    - فإذا عرفنا أن الأصل في الأشياء الطَّهارة، وأنَّ الكلب مِن مخلوقات الله الدَّاخلة تحت عموم هذه الآية، وجب على مَن ينقل الكلب مِن الأصل – الطَّهارة – إلى غيره أن يأتي بدليل النَّقل، ولابُدَّ أن يكون هذا الدَّليل صحيح الثُّبُوت وفيه دلالة على المُراد.
    - ومِن هُنا اختلف أهل العلم في حكم الكلب على قولين:
    الأوَّل: مَن قال بنجاسته مُطلقًا، وهذا ليس معه دليل بالوصف الَّذي قرَّرناه، ويُصادم قوله معهود الأصل الَّذي أثبتناه، ورُبَّما استدل أغلبهم بحديث: « إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ ... » الحديث.
    قُلتُ: وغاية ما فيه غسل ما ولغ فيه الكلب بلسانه، وعليه فالولوغ لا يكون إلَّا باللسان، ومنطقة الفم، ويبقى باقي الجسم على الأصل – الطَّهارة -.
    ويؤيِّد هذا ما أخرجه البُخاري في صحيحه مِن حديث ابن عُمُر: «كُنْتُ أَبِيتُ فِي الْمَسْجِدِ، فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتِ الْكِلابُ تُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ »، ولم يَثْبُت أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم منعها أو أمر بمنعها أو أمر برش ما لا صقت مِن أرضٍ أو جدران، والقاعدة تنصُّ على أنَّ: " تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز ".
    ويُرَدُّ على القائل بنجاسة فم الكلب بالحديث الفائت: " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم ... الحديث، وأنَّ الغسل دليل النَّجاسة مِن وجوه :
  •  أنَّ القول بأنَّ الغسل دليل النَّجاسة يُرَدُّ بأنَّ الله أمرنا بغسل أعضاء الوضوء عند كُلِّ صلاة بسكب الماء عليها مِن غير وجود نجاسة، كما أمرنا بغسل الجسم كله مِن الاحتلام، والمني طاهر على أرجح الأقوال، ومحل نزوله يلحق الفرج وما حوله، ومع ذلك يُغسل الجسم كله مِن غير دخل له بالأمر، والكلبُ المُعَلَّم الَّذي يُطلق للصيد يمسك الصَّيد بفمه، بل ويَدُب نابيه في الصيد، ومع ذلك لم يُنقل في الكتاب أو السُّنَّة الأمر بغسل مكان ما أمسك بفمه.
    وقد قوَّوا قولهم هذا برواية للحديث بلفظ: « طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ، أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ »، فحملوا لفظ الطَّهارة هنا على أنَّه ضد النَّجاسة، وهذا يُرَدُّ عليه بقول النَّبي صلى الله عليه وسلم: « طَهِّرُوا أَفْنِيَتَكُمْ، فَإِنَّ الْيَهُودَ لَا تُطَهِّرُ أَفْنِيَتَهَا »، يعني: نظفوها.
    وقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: " طَهِّرُوا هَذِهِ الْأَجْسَادَ طَهَّرَكُمُ اللَّهُ , فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَبِيتُ طَاهِرًا إِلَّا بَاتَ مَلَكٌ فِي شِعَارِهِ , لَا يَنْقَلِبُ سَاعَةً مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا , قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِكَ , فَإِنَّهُ بَاتَ طَاهِرًا "، يعني: مُتوضِّيء.
    ثُمَّ العدد: والأصل في إزالة النَّجاسة الغسل حتَّى تزول عين النَّجاسة، أمَّا تحديد العدد بسبع فهو دليل على التَّعبُّد.
    ثُمَّ الأصل في الطَّهارة الماء، أمَّا التُّراب فيكون فقد الماء أو فيما لا يصلح فيه الماء، وعليه فالجمع بينهما يكون لعلَّة التَّعبُّد.
    ورَدَّ المُخالف بأن الجمع بين الماء والتُّراب لشدَّة نجاسة فم الكلب.
    قلت: وهذا يُردُّ عليه مِن وجهين:
  •  بأنَّ العلم الحديث كشف سر الجمع بين الماء والتُّراب في تنطيف ما ولغ فيه الكلب، فلُعابُ الكلب لا يخلو مِن فيروس دقيق جدًا ينتقل مِن لُعابه حال مُلامسة اللِّسان المائع – الماء وما في حكمه – ويلتصق بمسامات الآنية، وعليه فاستخدام التُّراب يكون أنسب مِن الماء لأنَّ ذراته ندخل هذه المسام وتخرج عند الرَّحض بهذه الفروسات ثُمَّ يأتي دور الماء في إخراج الأتربة مِن المسام.
  • أن استخدام التُّراب يكون لمرَّة واحدة تدخل فيه المسام أمَّا الماء فيُستخدم سبع مرَّات حتَّى يخرج التُّراب.
    فإن قيل هذا يُخالفه رواية: وعفروه الثَّامنة، فسقط ما قلت.
    أقوال: التَّعفير ليس مِن جنس الغسل لذا لا يُلحق به إلَّا لفظًا، ولكن روايات الحديث جاء فيه لفظ: إحداهن، الَّذي فُسِّر بلفظ " أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ "، لأنَّ التتريب في الثَّامنه معناه أنَّ الإناء لا يصلح للاستخدام لوجود التُّراب فيه.
    ثُمَّ استدل البعض على نجاسة الكلب بأنَّه لا يؤكل، وهذا أقل ما يُرَدُّ عليه به أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: " إِنَّ المُؤْمِنَ لاَ يَنْجُسُ "، وزاد في رواية لابن عبَّاس: " حَيًّا أو مَيِّتًا "، ومع ذلك يحرمُ بالإجماع أمل لحم البشر.
    أمَّا استدلال بعضهم بحديث: " الْمَلَائِكَةُ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ، وَلَا كَلْبٌ "، على نجاسة الكلب، فيُرد عليه مِن وجهين:
  •  أنَّ القول بنجاسة الكلب لعدم دخول الملائكة يلزم منه القول بنجاسة الصُّورة المنصوص عليها في نفس الحديث، وهذا ما لم يَقُل به أحد.
  •  أنَّ العلَّة في النَّص تَعَبُّدِيَّة لم يُنَص عليها، والأقرب جمعًا بين الكلب والصُّورة أنَّ الملائكة لا تدخل في كلا الحالين تعزيرًا للمُخالف لأمر الله. والله أعلم.فإن قال البعض:أن العلة في عدم دخول الملائكة البيت هو سدا للذريعة لئلا تتخذ أصناما أو ما في حكمها، أقول: لا علاقة بين هذا وذاك، والكلام مبني على مقدمة خاطئة وهي أن الصورة تقتصر على كل ما يعبد أو يكون مظنة ذلك، بل الصورة تشمل كل ما فيه روح منحوت أو مرسوم والعلة منصوص عليه وهي المضاهاة لذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصورة الرأس، ويكلف المصورون بنفخ الروح فيما صنعوا يوم القيامة لتقريعهم على مضاهاة خلق الله ذوات الأرواح.
    والخُلاصة: أنَّ الكلب طاهر بدنًا ولسانًا، مِن وجهين:
    - الأصل الطَّهارة.
    - عدم وجود دليل ناقل صحيح الدَّلالة على النَّقل، والله الموفق.
    ملاحظة هامَّة:
    لا يعني القول بعدم نجاسة الكلب جواز تربيته لغير حاجة كصيد أو ماشية أو حراسة، كما سيأتي معنا في حلقات هذه السِّلسلة، أو اقتنائه وتركه في البيوت، وستأتي معنا الحلقات في تحريم هذا إن شاء الله.