باب جمع القران 1

بطاقات دعوية

باب جمع القران 1

 عن أنس بن مالك أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازى أهل الشأم فى فتح إرمينية (1) وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم فى القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين! أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا فى الكتاب اختلاف اليهود والنصارى. فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلى إلينا بالصحف ننسخها فى المصاحف، ثم نردها إليك. فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها فى المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت فى شيء من (وفى رواية: فى عربية من عربية 6/ 97) القرآن فاكتبوه بلسان قريش؛ فإنما نزل [القرآن] بلسانهم، ففعلوا [ذلك 4/ 156] , حتى إذا نسخوا الصحف فى المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة، فأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن فى كل صحيفة أو مصحف أن يحرق.

بذلَ الصَّحابةُ جُهْدَهم في حِفظِ كِتابِ اللهِ عزَّ وجَلَّ وصيانتِه، وتفاوتت أقدارُهم وعطاءاتُهم في ذلك الميدانِ.
وفي هذا الحَديثِ يَحكي أنَسُ بنُ مالِكٍ رضِيَ اللهُ عنه أنَّ حُذَيفةَ بنَ اليَمانِ رضِيَ اللهُ عنهما قَدِمَ عَلى عُثمانَ رضِيَ اللهُ عنه المَدينةَ في خِلافَتِهِ، وَكانَ عُثمانُ رضِيَ اللهُ عنه يُغازي أهلَ الشَّامِ -أي: يُجَهِّزُهم- في فَتْحِ أَرْمينِيَّةَ، وهي مَدينةٌ عَظيمةٌ بيْن بِلادِ الرُّومِ وخِلاط، قَريبةٌ مِن أَرْزَن الرُّومِ وَأذْرَبِيجانَ، وأَمَرَ أهْلَ الشَّامِ أنْ يَجتمِعوا مع أهْلِ العِراقِ في غَزوِهِما وَفَتْحِهِما. وأذْرَبِيجانُ إقليمٌ واسِعٌ يقعُ شمالَ غَربِ إيرانَ، شَرق أَرمِينيَّةَ، يُطِلُّ على بحْرِ قزْوينَ شَرْقًا. فَأفزَعَ حُذَيفةَ رضِيَ اللهُ عنه اختلافُ أهلِ الشَّامِ وأهلِ العِراقِ في القِراءةِ. وكان بعضُهم يقرأُ بقراءةِ أُبَيِّ بنِ كَعبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، وبعضُهم بقراءةِ عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، وكلُّ فريقٍ يقولُ للآخَرِ: قراءتي خيرٌ من قراءتِك، فَقالَ حُذَيْفةُ لِعُثمانَ رضِيَ اللهُ عنه: يا أميرَ المُؤمِنينَ، أَدْرِكْ هذه الأُمَّةَ قبْلَ أنْ يَخْتَلِفوا في القُرآنِ اختِلافَ اليَهودِ والنَّصارى في التَّوراةِ والإنجيلِ. فَأرسَلَ عُثمانُ بنُ عفَّانَ رَضِيَ اللهُ عنه إلى أمِّ المُؤمِنينَ حَفْصةَ بنتِ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنها: أنْ أرسِلي إلَينا بِالصُّحُفِ الَّتي كانَ أبو بَكرٍ رضِيَ اللهُ عنه أمَرَ زَيدًا رضِيَ اللهُ عنه بِجَمْعِها، نَنسَخُها في المَصاحِفِ، ثُمَّ نَرُدُّها إلَيكِ، فأرسَلَتْ بِها حَفْصةُ رضِيَ اللهُ عنها إلى عُثمانَ رضِيَ اللهُ عنه، فَأمَرَ زَيدَ بنَ ثابِتٍ، وعَبْدَ اللهِ بنَ الزُّبَيرِ، وَسَعيدَ بنَ العاصِ، وعَبْدَ الرَّحمَنِ بنَ الحارِثِ بنِ هِشامٍ رَضِيَ اللهُ عنهم، فَنَسَخوا الصُّحُفَ في المَصاحِفِ. وكان عُثمانُ رَضِيَ اللهُ عنه قد أمر الثَّلاثةَ -سَعيدًا، وعبدَ اللهِ، وعَبدَ الرَّحمنِ رَضِيَ اللهُ عنهم- أنهم إذا اختلفوا مع زيدٍ رَضِيَ اللهُ عنه في شَيءٍ من القرآنِ، فلْيَكتُبوه ولْيُثبِتوه على الذي يوافِقُ لِسانَ ولَهجةَ قُرَيشٍ؛ وذلك أنَّ زيدًا كان من الأنصارِ أهلِ المدينةِ، وكان الثلاثةُ مِن مُهاجري قُرَيشٍ، فاستجابوا له وفعلوا ما أمرهم به، فلمَّا انتهوا أرجع إلى حفصةَ رَضِيَ اللهُ عنه صُحُفَها، ثم استنسخَ مِن هذا المصحَفِ نُسَخًا أرسلها لسائِرِ البلادِ والأمصارِ، وأمرهم أنَّ كُلَّ ما سوى ذلك يُحرَقُ، وجمع بذلك المسلمين ووحَّد تلاوتَهم حتى لا يكونَ هناك نزاعٌ وشِقاقٌ باختلافِهم في قراءاتِهم. ولَم يُرِدْ عثمانُ رَضِيَ اللهُ عنه بإحراقِ ما عدا المصاحِفَ التي أرسلها للأمصارِ، إلَّا الإشْعارَ بِشِدَّةِ عَزْمِهِ فيه، وصَلابَتِهِ في العملِ بمُقتَضاهُ؛ لئلَّا يَجريَ بيْن الأُمَّةِ اختِلافٌ في شَيءٍ منه
وفي الحَديثِ: اعتِمادُ المَصلَحةِ وَألَّا يَجْبُنَ المُؤمِنُ عنها.
وفيه: أنَّ الصَّحابةَ رضِيَ اللهُ عنهم لَم يَكونوا مُهمِلينَ لِشَيءٍ مِن القُرآنِ.
وفيه: ما يَدُلُّ عَلى شَرَفِ قُرَيشٍ وَأنَّهُم أفصَحُ العَرَبِ.
وفيه: تَحريقُ الكُتُبِ الَّتي فيها اسمُ اللَّهِ عزَّ وجلَّ بِالنَّارِ، وَأنَّ ذلك إكرامٌ لَها، وَصَوْنٌ عَن وَطئِها بِالأقدامِ.