باب صلاة الخوف
بطاقات دعوية
عن شُعْيبٍ عنِ الزُّهريِّ قال: سألته: هلْ صلى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -يعني صلاةَ الخوْفِ -؟ قالَ: أَخبرَني سالمٌ أنَّ عبدَ الله بنَ عُمرَ رضي الله عنهما قالَ: غزوْتُ معَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قِبَلَ نَجدٍ، فوازَيْنا العدوَّ فصافَفْنا لهمْ، فقامَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يصَلي لنا، فقامَت طائفةٌ معهُ، وأقبلَتْ طائفةٌ على (وفي طريقٍ: والطائفة الأخرى مواجهةُ ) العدوِّ، وركعَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بمنْ معَه، وسجَد سجدَتينِ، ثم انصرَفوا مكانَ الطائفةِ التي لم تصلِّ، فجاؤُوا، فركعَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بهمْ ركعةً، وسجدَ سجدَتينِ، ثم سلَّمَ، فقامَ كلُّ واحدٍ منهمْ فركعَ لنفسِهِ ركعةً، وسجد سجدَتينِ.
شُرِعَتْ صَلاةُ الخَوفِ حتَّى يَتمكَّنَ المسلمونَ مِن أداءِ فرْضِ اللهِ دُونِ تَعريضِ أنفُسِهم لِلخطرِ في أثناءِ قِتالِهم لأعداءِ اللهِ، وهو من بابِ تَخفيفِ اللهِ سُبحانَه وتعالَى على المُجاهدينَ في سَبيلِه؛ حتَّى لا يَغدِر بهم عدوُّهم في أَثناءِ صلاتِهم.
وفي هذا الحديثِ يَنقُلُ عَبدُ اللهِ بنُ عُمرَ رَضيَ اللهُ عنهما إحْدى هَيئاتِ صلاةِ الخوفِ، فيُخبِرُ أنَّه غَزَا وحارَبَ مع رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جِهةَ بِلادِ نَجْدٍ، ونَجْدٌ هي: كلُّ ما ارتفَعَ مِن بِلادِ العربِ ما بيْنَ الحِجازِ إلى العِراقِ، ونجْدٌ الآنَ تُمثِّلُ قلْبَ الجَزيرةِ العربيَّةِ، تَتوسَّطُها مَدينةُ الرِّياضِ عاصِمةُ المَملكةِ العَربيَّةِ السُّعوديةِ، وتَشمَلُ أقاليمَ كثيرةً؛ منها: القَصيمُ، وسديرُ، والأفلاجُ، واليَمامةُ، والوشمُ، وغيرُها. قال: «فوازَيْنا العدُوَّ»، أي: قابَلْنا العدُوَّ وحاذيْناهم، وقاموا صُفوفًا في مُواجهتِهم، فقامَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُصلِّي، وذلك لمَّا حَضَرَتْهم الصَّلاةُ ولم تكُنِ المَعركةُ والاقتتالُ قدْ بَدَآ، فقامَتْ طائفةٌ معه تُصلِّي، وأقبلَتْ طائفةٌ تُجاهَ العدُوِّ، فوقَفَتْ تَحرُسُ الَّتي تُصلِّي، فصلَّى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالطائفةِ الأُولى رَكْعةً، ثُمَّ انْصَرَفوا مكانَ الطَّائفةِ الَّتي لم تُصلِّ، ثمَّ جاءتِ الطائفةُ الَّتي كانتْ تَحرُسُ، فصلَّى بهم رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَكعةً، ثُمَّ سلَّمَ وأنهَى صَلاتَه، فقامَ كلُّ واحدٍ منهم على حِدَةٍ، فرَكَعَ لِنفْسِه رَكعةً، وهذا يعني: أنَّ كلَّ طائفةٍ صَلَّتْ مع النبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ رَكعةً، ثُمَّ قاموا بعْدَ سَلامِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ لِيأْتوا بِالرَّكعةِ الأُخرى.
وقد وَرَدَ في كَيفيَّةِ صَلاةِ الخَوفِ صِفاتٌ كَثيرةٌ، وهذه إحْدَى الرِّواياتِ عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فيها، وقد صَلَّاها في أيَّامٍ مُختلفةٍ بأشكالٍ مُتباينةٍ، يَتحرَّى فيها ما هو الأحوطُ للصَّلاةِ، والأبلَغُ للحِراسةِ؛ فهي على اختِلافِ صُوَرِها مُتَّفِقةُ المعنى.
وفي الحَديثِ: الحِرصُ على أداءِ الصَّلواتِ حتَّى في أوقاتِ الحربِ، وبيانُ أهميَّةِ صَلاةِ الجَماعةِ؛ إذ شُرِعَتْ في حالةِ الخوفِ؛ فالأَوْلَى بالآمِن المُطمئنِّ الحِرصُ عليها.
وفيه: أخْذُ الحَذَرِ مِن العدُوِّ في وَقتِ المعركةِ بكلِّ الوسائلِ.
وفيه: أنَّ الدِّينَ يَأمُرُ بالعِباداتِ التي تَحفَظُ العبدَ أمامَ اللهِ في الآخرةِ، ويَأمُرُ بالأخْذِ بالأسبابِ التي تَحفَظُ العبدَ في الدُّنيا.
وفيه: يُسْرُ الشَّريعةِ على المُكلَّفينَ في أداءِ الصَّلاةِ.