باب {لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي}

بطاقات دعوية

باب {لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي}

عن ابن أبى مليكة قال: كاد الخيران أن يهلكا: أبا بكر وعمر (وفى رواية: أبو بكر وعمر 8/ 145) -رضى الله عنهما-، رفعا أصواتهما عند النبي - صلى الله عليه وسلم - حين (وفى رواية عنه: أن عبد الله بن الزبير أخبرهم أنه 5/ 116) قدم عليه ركب بنى تميم، فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس أخى بنى مجاشع، وأشار الآخر برجل آخر -قال: نافع (177): لا أحفظ اسمه- (وفى رواية: فقال أبو بكر: أمر القعقاع بن معبد بن زرارة. فقال عمر: بل أمر الأقرع بن حابس). فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلا خلافى. قال: ما أردت خلافك. فارتفعت أصواتهما فى ذلك، فأنزل الله: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم} (وفي رواية: فنزلت في ذلك: {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله} حتى انقضت) الآية. قال ابن الزبير: فما كان عمر [بعد] يسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد هذه الآية (وفى رواية: إذا حدث النبي - صلى الله عليه وسلم - بحديث حدثه كأخى السرار، لم يسمعه) حتى يستفهمه. ولم يذكر (178) ذلك عن أبيه؛ يعنى أبا بكر.

مَحبَّةُ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَقْتَضي تَوْقيرَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، واحْتِرامَه، وتَعْظيمَه، في حَياتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وبعْدَ وَفاتِه، وقدْ جاءَت آياتٌ في القُرآنِ الكَريمِ تُنبِّهُ على ذلك الأمرِ للأُمَّةِ بالأدَبِ معَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في جَميعِ الجَوانبِ، وجَميعِ الاعْتِباراتِ.
وفي هذا الحَديثِ يَحْكي عبدُ اللهِ بنُ الزُّبَيرِ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّه جاءَ رَكْبٌ مِن بَني تَميمٍ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكان قُدومُهم سَنةَ تِسعٍ مِن الهِجْرةِ، وبَنو تَميمٍ همْ قَبيلةٌ عَربيَّةٌ سكَنَت مِنطَقةَ نَجدٍ، والرَّكبُ همْ أصْحابُ الإبلِ في السَّفرِ، فأشارَ أبو بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَجعَلَ القَعْقاعَ بنَ مَعبَدِ بنِ زُرارةَ رَضيَ اللهُ عنه أميرًا عليهم، فقال عُمَرُ: بلْ أمِّرِ الأقرَعَ بنَ حابسٍ، فقال أبو بَكرٍ لعُمَرَ بنِ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنهما: «ما أردْتَ إلَّا خِلافي» يَعني: لا تَقصِدُ إلَّا أنْ تُخالفَ قَوْلي، فقال عُمَرُ لأبي بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنهما: «ما أردْتُ خِلافَكَ»، فتَجادَلَا حتَّى ارتَفعتْ أصْواتُهما في حُضورِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فنزَلَ في ذلك الأمرِ قَولُه تعالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات: 1]، أي: لا تَقْطَعوا أمرًا إلَّا بعْدَ ما يَحكُمُ اللهُ ورَسولُه ويَأْذَنانِ فيه، فتَكونوا إمَّا عامِلينَ بالوَحيِ، وإمَّا مُقتَدينَ برَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفي رِوايةٍ في البُخاريِّ أنَّ الآيةَ الَّتي أُنزِلتْ هي قولُ اللهِ تعالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} [الحجرات: 2] الآيَةَ. ويُجمَعُ بيْنهما أنَّ الآيَتَين نَزَلَتَا معًا فذَكَرَ في كلِّ رِوايةٍ إحْداهما.
وفي الحَديثِ: النَّهيُ عنِ السَّبقِ، والتَّقدُّمِ بالقَولِ والرَّأيِ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وضَرورةُ انْتِظارِ أمْرِه وحُكمِه في كلِّ الأُمورِ، ويَنطَبِقُ هذا على سُنَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعْدَ مَماتِه.
وفيه: أنَّ الفاضِلَ قدْ يَبدُرُ منه بعضُ الهَفَواتِ، ولكنَّه يُبادِرُ إلى التَّوبةِ.