اجتزاء المرء بأذان غيره في الحضر 2
سنن النسائي
أخبرني إبراهيم بن يعقوب قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن عمرو بن سلمة فقال لي أبو قلابة : هو حي أفلا تلقاه قال أيوب فلقيته فسألته فقال لما كان وقعة الفتح بادر كل قوم بإسلامهم فذهب أبي بإسلام أهل حوائنا فلما قدم استقبلناه فقال جئتكم والله من عند رسول الله صلى الله عليه و سلم حقا فقال صلوا صلاة كذا في حين كذا وصلاة كذا في حين كذا فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآنا
قال الشيخ الألباني : صحيح
في هذا الحَديثِ يُخبِرُ عَمْرُو بنُ سَلِمةَ رَضيَ اللهُ عنهما عن قِصَّةِ إمامَتِه لقَومِه عندَما سَأَلَه التَّابِعيُّ أبو قِلابةَ عبدُ اللهِ بنُ زَيدٍ الجَرْميُّ عن ذلك، فأخْبَرَ عَمْرُو بنُ سَلِمةَ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّهم كانوا ساكِنينَ بمَوضِعٍ في المَدينةِ فيه ماءٌ، يمُرُّ النَّاسُ عليه، وكانوا كلَّما مَرَّ بهم الرُّكْبانُ -وهمُ المُسافِرونَ- سَأَلوهم: ما للنَّاسِ؟ ما للنَّاسِ؟ وما هذا الرَّجلُ؟ أي: ما حالُ النَّاسِ، أو ما طَرَأ للنَّاسِ حتَّى ظهَرَ عليهمُ القَلقُ والفزَعُ؟ وسُؤالُهم هذا يدُلُّ على حُدوثِ أمرٍ غَريبٍ؛ ولذا كَرَّروا السُّؤالَ: «ما للنَّاسِ؟) ويَسْأَلونَ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فكان المُسافِرونَ يَذكُرونَ أنَّه رَجلٌ يَدَّعي أنَّ اللهَ أرْسَلَه إلى النَّاسِ كافَّةً، وأوْحَى إليه بكذا وكذا، أي: أوْحَى إليه بآيةِ كذا، أو سُورةِ كذا، كِنايةً عنِ القُرآنِ، فكان عَمْرُو بنُ سَلِمةَ رَضيَ اللهُ عنه يَحفَظُ ما يَنقُلونَه عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن القُرآنِ وغيرِه، وكان ما يَسمَعُه يُغْرَى، أي: يُلْصَقُ بالغراء، وفي نُسْخةٍ: «يُقَرُّ»، أي: يُثبَتُ في صَدرِه رَضيَ اللهُ عنه، ولأبي داودَ: «وكُنتُ غُلامًا حافِظًا، فحفِظْتُ مِن ذلك قُرآناً كَثيرًا»، وكانتِ العَرَبُ -ما عدا قريشًا قومَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- في ذلك الوَقتِ تَتَلَوَّمُ بإسْلامِهمُ الفَتحَ، أي: يَنتَظِرونَ فَتْحَ مكَّةَ، أي: نَصْرَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على قَومِه للدُّخولِ في الإسْلامِ، فيَقولونَ: اتْرُكوه؛ فإنْ أظْهَرَه اللهُ على قُريشٍ ونصَرَه عليهمْ، فهو نَبيٌّ صادِقٌ؛ إذْ لا يُتصَوَّرُ غلَبَتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عليهم كذلك، إلَّا بمَحضِ المُعجِزةِ الخارِقةِ للعادةِ القاضيةِ بأنَّه لا يَظهَرُ عليهم؛ لضَعفِه وقوَّتِهم
فلمَّا فتَحَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مكَّةَ في العامِ الثَّامِنِ مِن الهِجْرةِ، سارَعَ كلُّ قومٍ بإعْلانِ إسْلامِهم، وأسرَعَ أبوه، وسبَقَ قَومَه بإسْلامِه، وقدِمَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فلمَّا رجَعَ مِن عندِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال لهم: «جِئتُكُم واللهِ مِن عندِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حَقًّا»، أيِ: الَّذي نُبِّئَ حقًّا، فهو لا يَكذِبُ في هذا، وأخْبَرَ قَومَه بما أخْبَرَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن الصَّلَواتِ المَكْتوبةِ عليهم ومَواقيتِها، وأنْ يُؤَذِّنَ أحَدُهم عندَ حُضورِ وقتِ الصَّلاةِ، وأنْ يَؤُمَّهم أكثَرُهم حِفظًا للقُرآنِ، فلمْ يَجِدوا أحفَظَ مِن عَمْرِو بنِ سَلِمةَ رَضيَ اللهُ عنهما؛ لِمَا كان يَحفَظُه وقْتَ أنْ كان يُقابِلُ الرُّكْبانَ المُسافِرينَ والمارِّينَ عليهم، فأَمَّهم وهو ابنُ سِتِّ سِنينَ، أو سَبعِ سِنينَ، وكان يَلبَسُ بُرْدةً -أي كِساءً أسْوَدَ مُرَبَّعًا- وهو يُصَلِّي، فكلَّما سجَدَ انحسَرَتْ ورُفِعَتْ إلى أعالي البَدَنِ، فتَنكشِفُ عَوْرتُه، فقالتِ امْرأةٌ مِن قَومِه: ألَا تُغَطُّونَ عنَّا اسْتَ قارِئِكم؟! أي: عَوْرتَه، فاشتَرَوْا له قَميصًا، وهو ثَوبٌ مَخِيطٌ بكُمَّيْنِ غَيرُ مُفرَّجٍ يُلْبَسُ تحْتَ الثِّيابِ، يَقولُ عَمْرُو بنُ سَلِمةَ رَضيَ اللهُ عنه: فما فرِحْتُ بشَيءٍ فَرَحي بذلك القَميصِ؛ إمَّا لأجْلِ حُصولِ التَّستُّرِ، وعدَمِ تَكلُّفِ الضَّبطِ، وخَوفِ الكَشفِ، وإمَّا فرِحَ به كما هو عادةُ الصِّغارِ بالثَّوبِ الجَديدِ
وفي الحَديثِ: فَضلُ عَمْرِو بنِ سَلِمةَ رَضيَ اللهُ عنهما
وفيه: مَشْروعيَّةُ إمامةِ الصَّبيِّ المُميِّزِ في الفَريضةِ
وفيه: سَترُ العَوْرةِ عندَ الصَّلاةِ