الاستنصار بالضعيف 1
سنن النسائي
أخبرنا محمد بن إدريس، قال: حدثنا عمر بن حفص بن غياث، عن أبيه، عن مسعر، عن طلحة بن مصرف، عن مصعب بن سعد، عن أبيه، أنه ظن أن له فضلا على من دونه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: «إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها، بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم»
خصَّ اللهُ سبحانه وتعالى ضُعفاءَ المؤمِنين بفَضائلَ عديدةٍ في الدُّنيا والآخِرةِ؛ حتَّى جعَلَهم- بسَببِ أعمالِهم الصالحةِ- مِن أسبابِ نَصْرِ الأمَّةِ، كما يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم
في هذا الحديثِ بقولِه: "إنَّما يَنصُرُ اللهُ هذه الأمَّةَ بضَعيفِها"، أي: يَنصُرُها بسبَبِ هؤلاءِ، وهم الفُقراءُ، ومَن يُقلِّلُ النَّاسُ مِن شأنِهم، ثمَّ ذكَر السَّببَ في ذلك، فقال: "بدَعوَتِهم"، أي: بدُعائِهم للهِ عزَّ وجلَّ أن يَنصُرَ المسلِمين، "وصَلاتِهم"، أي: يُؤدُّون الصَّلاةَ كما أمَرَهم اللهُ، ويَخشَعون فيها، "وإخلاصِهم"، أي: يُخلِصون العبادةَ للهِ وحدَه؛ فلِذلك كانوا قَريبين مِن اللهِ عزَّ وجلَّ، ونَصْرُ الأمَّةِ بضُعفائِها يَحتمِلُ حالَينِ؛
الأولى: أنْ يكونَ النصرُ بهم عندَ انعِدامِ الأسبابِ الظَّاهرةِ؛ فيَكونُ المقصودُ: أنَّهم السَّببُ الوحيدُ في نَصْرِ اللهِ للأمَّةِ رَحمةً بالضُّعفاءِ، وبسَببِ دُعائِهم
والثَّانيةُ: أنْ يكونَ النصرُ بهم مع وجودِ الأسبابِ الظَّاهرةِ للنَّصرِ مع الأمَّةِ، سواءٌ كانتْ كافيةً أو لا؛ فيكونُ المقصودُ أنَّهم سَببٌ للنَّصرِ مع التَّوكُّلِ على اللهِ؛ وفي كِلْتا الحالَتَين فدُعاءُ الضُّعفاءِ وصَلاتُهم من أسبابِ النَّصرِ
وفي الحديثِ: بَيانُ فضْلِ الفُقراءِ المؤمِنين، وبيانُ أنَّ الفضْلَ عندَ اللهِ بالتَّقوى وليس بالغِنَى
وفيه: فضيلةُ الغَزوِ مع الضُّعفاءِ رجاءَ النَّصرِ بسبَبِهم
وفيه: أنَّ إصلاحَ العِباداتِ دِعامةٌ أساسيَّةٌ لنَصْرِ الأمَّةِ