باب إذا أهدى للمحرم حمارا وحشيا حيا لم يقبل
بطاقات دعوية
عن الصعب بن جثامة الليثي [وكان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - 3/ 136] أنه أهدى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمارا وحشيا، وهو بـ (الأبواء) أو بـ (ودان) (10) وهو محرم، فرده عليه، فلما رأى ما في وجهه قال:
" [أما 3/ 130] إنا لم نرده إلا أنا حرم". (وفي رواية: قال صعب: فلما عرف في وجهي رده هديتي قال "ليس بنا رد عليك، ولكنا حرم")
هناك أحكامٌ وآدابٌ يَجِبُ على المُحرِمِ الالتزامُ بها؛ حتَّى تَتِمَّ عِبادتُه على الوجْهِ الأكمَلِ وَفْقَ مُرادِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ومِن هذه الأحكامِ تَحريمُ صَيدِ البرِّ حالَ الإحرامِ؛ قال تعالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95].
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي الصَّعْبُ بنُ جَثَّامَةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ردَّ عليه لَحْمَ الحِمارِ الوَحشيِّ الَّذي أهداهُ له، وكان حينئذٍ بالأبْوَاءِ -أوْ بوَدَّانَ- وهما مَكانانِ بيْن مكَّةَ والمدينةِ جَنوبَ غرْبِ المدينةِ، ويَبعُدانِ عنها نحْوُ (250 كيلومِترٍ تَقريبًا).
وقد علَّل النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ له ذلك بقولِه: «أنَّا حُرُمٌ»، وهو مِن جميلِ خُلُقِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ لأنَّه لَمَّا رأى تَغيُّرَ وجْهِ الصَّعبِ بنِ جَثَّامةَ وحُزنَه مِن ردِّ هَديَّتِه، بيَّن له أنَّه لم يَرُدَّها لشَيءٍ إلَّا لأنَّه مُحرِمٌ لا يَأكُلُ الصَّيدَ المذبوحَ مِن أجْلِه.
ولا يُعارِضُ امتِناعُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن قَبولِ الحِمارِ الوَحشيِّ مِن الصَّعبِ بنِ جَثَّامةَ قَبولَه للأكْلِ مِن الحِمارِ الوحشيِّ الَّذي اصطادَه أبو قَتادةَ رَضيَ اللهُ عنه؛ لأنَّ الفرْقَ بيْن الحالتينِ أنَّ أبا قتادةَ رَضيَ اللهُ عنه لم يَصطَدِ الحِمارَ مِن أجْلِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، بلِ اصطادَهُ مِن أجْلِ نفْسِه، ثمَّ أكَل معه أصحابُه وأكَلَ منه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، بخِلافِ الصَّعبِ بنِ جثَّامةَ الَّذي اصطادَ الحِمارَ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ فلذلك رفَضَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَبولَه أو الأكْلَ منه؛ لأنَّ المُحرِمَ لا يَصطادُ حالَ إحرامِه، ولا يَأكُلُ مِن صَيدٍ اصطادَه مُحرِمٌ أو حَلالٌ له.
وفي الحَديثِ: تَوضيحُ عُذرِ مَن امتنَع مِن قَبولِ هَديَّةٍ ونحوِها للمُهدِي؛ تطْييبًا لقلبِه.
وفيه: حُسْنُ خُلقِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وطِيبِ مُعامَلتِه لأصحابِه.
وفيه: مَشروعيَّةُ أكْلِ لُحومِ الحُمُرِ الوَحشيَّةِ.
وفيه: بَيانُ ما يَجوزُ أكْلُه للمُحرِمِ مِن الصَّيدِ، وهو الذي صادَه الحلالُ، دونَ أنْ يُساعِدَه المُحرِمُ عليه بشَيءٍ.