باب إذا تتابع فى شرب الخمر
حدثنا إسماعيل بن موسى الفزارى حدثنا شريك عن أبى حصين عن عمير بن سعيد عن على رضى الله عنه قال لا أدى - أو ما كنت لأدى - من أقمت عليه حدا إلا شارب الخمر فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يسن فيه شيئا إنما هو شىء قلناه نحن.
( قَالَ لَا أَدِي ) : مِنَ الدِّيَةِ كَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالصَّوَابُ ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لَا أَدْرِي وَهُوَ غَلَطٌ ( أَوْ مَا كُنْتُ أَدِي ) : شَكٌ مِنَ الرَّاوِي أَيْ مَا كُنْتُ أَغْرَمُ الدِّيَةَ ( مَنْ أَقَمْتُ عَلَيْهِ حَدًّا ) : أَيْ فَمَاتَ ( إِلَّا شَارِبَ الْخَمْرِ ) : الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ أَيْ لَكِنْ وَدَيْتُ شَارِبَ الْخَمْرِ لَوْ أَقَمْتُ عَلَيْهِ الْحَدَّ فَمَاتَ
وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ ، وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى مَنْ أَقَمْنَا عَلَيْهِ حَدًّا فَمَاتَ فَلَا دِيَةَ لَهُ إِلَّا مَنْ ضَرَبْنَاهُ فِي الْخَمْرِ ( لَمْ يَسُنَّ ) : بِفَتْحٍ فَضَمٍّ فَنُونٍ مُشَدَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ ( فِيهِ شَيْئًا ) : أَيْ لَمْ يُقَدِّرْ فِيهِ حَدًّا مَضْبُوطًا مُعَيَّنًا ( إِنَّمَا هُوَ ) : أَيِ الْحَدُّ الَّذِي نُقِيمُ عَلَى الشَّارِبِ ( شَيْءٌ قُلْنَاهُ نَحْنُ ) : أَيْ وَلَمْ يَقُلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ الْحَافِظُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنَ الضَّرْبِ فِي الْحَدِّ لَا ضَمَانَ عَلَى قَاتِلِهِ إِلَّا فِي حَدِّ الْخَمْرِ ، فَعَنْ عَلِيٍّ مَا تَقَدَّمَ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : إِنْ ضَرَبَ بِغَيْرِ السَّوْطِ فَلَا ضَمَانَ وَإِنْ جَلَدَ بِالسَّوْطِ ضَمِنَ ، قِيلَ الدِّيَةَ وَقِيلَ قَدْرَ تَفَاوُتِ مَا بَيْنَ الْجَلْدِ بِالسَّوْطِ وَبِغَيْرِهِ . وَالدِّيَةُ فِي ذَلِكَ عَلَى عَاقِلَةِ الْإِمَامِ وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ فِيمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ انْتَهَى
فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَ حَدِيثِ عَلِيٍّ هَذَا وَبَيْنَ حَدِيثِهِ الْمُتَقَدِّمِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَاسَانَ الْمُصَرِّحِ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَدَ أَرْبَعِينَ ، قُلْتُ جَمَعَ الْحَافِظُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يُحْمَلَ النَّفْيُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحُدَّ الثَّمَانِينَ أَيْ لَمْ يَسُنَّ شَيْئًا زَائِدًا عَلَى الْأَرْبَعِينَ ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ صَنَعْنَاهُ نَحْنُ يُشِيرُ إِلَى مَا أَشَارَ بِهِ عَلَى عُمَرَ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ لَوْ مَاتَ لَوَدَيْتُهُ أَيْ فِي الْأَرْبَعِينَ الزَّائِدَةِ ، وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ حَزْمٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ لَمْ يَسُنَّهُ أَيِ الثَّمَانِينَ لِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ صَنَعْنَاهُ ، فَكَأَنَّهُ خَافَ مِنَ الَّذِي صَنَعُوهُ بِاجْتِهَادِهِمْ أَنْ لَا يَكُونَ مُطَابِقًا . وَاخْتَصَّ هُوَ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ الَّذِي كَانَ أَشَارَ بِذَلِكَ وَاسْتَدَلَّ لَهُ ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ أَنَّ الْوُقُوفَ عِنْدَمَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَيْهِ أَوَّلًا أَوْلَى فَرَجَعَ إِلَى تَرْجِيحِهِ وَأَخْبَرَ بِأَنَّهُ لَوْ أَقَامَ الْحَدَّ ثَمَانِينَ فَمَاتَ الْمَضْرُوبُ وَدَاهُ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ . وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ لَمْ يَسُنَّهُ لِصِفَةِ الضَّرْبِ وَكَوْنِهَا بِسَوْطِ الْجِلْدِ أَيْ لَمْ يَسُنَّ الْجَلْدَ بِالسَّوْطِ وَإِنَّمَا كَانَ يُضْرَبُ فِيهِ بِالنِّعَالِ وَغَيْرِهَا مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ ، أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الْبَيْهَقِيُّ
وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ أَيْضًا : لَوْ جَاءَ عَنْ غَيْرِ عَلِيٍّ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ أَنَّهُ مَسْنُونٌ وَأَنَّهُ غَيْرُ مَسْنُونٍ لَوَجَبَ حَمْلُ أَحَدِهِمَا عَلَى غَيْرِ مَا حُمِلَ عَلَيْهِ الْآخَرُ فَضْلًا عَنْ عَلِيٍّ مَعَ سَعَةِ عِلْمِهِ وَقُوَّةِ فَهْمِهِ ، وَإِذَا تَعَارَضَ خَبَرُ عُمَيْرِ بْنِ سَعِيدٍ وَخَبَرُ أَبِي سَاسَانَ فَخَبَرُ أَبِي سَاسَانَ أَوْلَى بِالْقَبُولِ لِأَنَّهُ مُصَرَّحٌ فِيهِ بِرَفْعِ الْحَدِيثِ ، وَإِذَا تَعَارَضَ الْمَرْفُوعُ وَالْمَوْقُوفُ قُدِّمَ الْمَرْفُوعُ
وَأَمَّا دَعْوَى ضَعْفِ سَنَدِ أَبِي سَاسَانَ فَمَرْدُودَةٌ وَالْجَمْعُ أَوْلَى مَهْمَا أَمْكَنَ مِنْ تَوْهِينِ الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ . وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَهْمًا ،فَرِوَايَةُ الْإِثْبَاتِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى رِوَايَةِ النَّفْيِ وَقَدْ سَاعَدَتْهَا رِوَايَةُ أَنَسٍ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ بِنَحْوِهِ
قَالَ بَعْضُهُمْ : لَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ مَاتَ مِنْ ضَرْبِ حَدٍّ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا دِيَةَ فِيهِ عَلَى الْإِمَامِ وَلَا عَلَى بَيْتِ الْمَالِ ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ مَاتَ مِنَ التَّعْزِيرِ ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ عَقْلُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْإِمَامِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ ، وَقِيلَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ ، وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ . هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ .
فَإِذَا ضَرَبَ الْإِمَامُ شَارِبَ الْخَمْرِ الْحَدَّ أَرْبَعِينَ وَمَاتَ لَمْ يَضْمَنْهُ ، وَمَنْ جَلَدَهُ ثَمَانِينَ وَمَاتَ ضَمِنَ نِصْفَ الدِّيَةِ ، فَإِنْ جَلَدَهُ وَاحِدًا وَأَرْبَعِينَ وَمَاتَ ضَمِنَ نِصْفَ الدِّيَةِ وَقِيلَ يَضْمَنُ جُزْءًا مِنْ أَحَدٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ الدِّيَةِ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ .