باب إعطاء من يخاف على إيمانه
بطاقات دعوية
حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ، قَالَ: لَمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ قَسَمَ فِي النَّاسِ فِي الْمُؤَلَّفَةِ قَلُوبُهُمْ وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيْئًا؛ فَكَأَنَّهُمْ وَجَدُوا، إِذْ لَمْ يُصِبْهُمْ مَا أَصَابَ النَّاسَ، فَخَطَبَهُمْ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلاَّلاً فَهَدَاكُمُ اللهُ بِي، وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمُ اللهُ بِي، وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ الله بِي كلَّمَا قَالَ شَيْئًا، قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ؛ قَالَ: مَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تُجِيبُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ، كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا، قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ قَالَ: لَوْ شِئتُمْ قُلْتُمْ: جِئْتَنَا كَذَا وَكَذَا، أَتَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ وَتَذْهَبُونَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى رِحَالِكُمْ لَوْلاَ الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرءًا مِنَ الأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَشِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ وَشِعْبَهَا، الأَنْصَارُ شِعَارٌ وَالنَّاسُ دِثَارٌ، إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ
عرف النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار فضلهم؛ لما قاموا به من واجب النصرة للنبي صلى الله عليه وسلم، فأوصى بهم، ودعا لهم ولأبنائهم، وقد كانوا رضي الله عنهم لا يتأخرون عن الغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم، ومع خلفائه من بعده
وفي هذا الحديث يحكي عبد الله بن زيد رضي الله عنه أنه لما أنعم الله على رسوله وأعطاه غنائم الذين حاربهم يوم حنين -وكان هذا في العام الثامن من الهجرة عقيب فتح مكة، وحنين واد بين مكة والطائف، بينه وبين مكة 26 كم- قسم صلى الله عليه وسلم الغنائم في الناس فأعطى المؤلفة قلوبهم ممن أسلموا بعد فتح مكة، وفي إسلامهم ضعف، فأعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم العطايا ليرغبهم في الإسلام، ولم يعط الأنصار شيئا، فكأنهم حزنوا؛ إذ لم يأخذوا مثل ما أخذ الناس من الغنائم، فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم بحزنهم، قام فخطبهم فقال: «يا معشر الأنصار، ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي؟!» حيث كنتم في ضلالة الشرك، فهداكم الله بالإيمان الذي أرسلني به، «وكنتم متفرقين فألفكم الله بي؟!» حيث كنتم متناحرين متقاطعين، يحارب بعضهم بعضا كما في حرب بعاث، فجمعهم النبي صلى الله عليه وسلم، وألف الله بين قلوبهم، «وكنتم عالة»، أي: فقراء، «فأغناكم الله بي؟!»، فكان من أدب الأنصار أنهم كلما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم شيئا، قالوا له: «الله ورسوله أمن»، أي: لهما الفضل والمنة على الحقيقة، فلولا هجرته إليهم لكانوا كسائر الناس
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما يمنعكم أن تجيبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟» فتردوا عليه، وتذكروا ما صنعتم معه من مساندة، ونصرة لدين الله عز وجل، وإيوائكم لرسوله صلى الله عليه وسلم، فلما سكتوا، تكلم النبي صلى الله عليه وسلم بلسانهم فقال: «لو شئتم قلتم: جئتنا كذا وكذا»، أي: أتيتنا مكذبا فصدقناك، ومخذلا فنصرناك، وطريدا فآويناك، وعائلا فواسيناك، وهذا من تواضعه صلى الله عليه وسلم وإنصافه، ثم طيب النبي صلى الله عليه وسلم خواطرهم، وهون عليهم أنه لم يعطهم شيئا؛ بقوله: «أترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير» وغيرها من الأموال ومتاع الدنيا، «وتذهبون بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم؟»، أي: بيوتكم ومنازلكم. ثم قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: «لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار»، أي: لولا أني هاجرت، وصرت منسوبا إلى الهجرة، ولا يسعني تركها؛ لانتسبت إلى الأنصار، وكنت واحدا منهم، «ولو سلك الناس واديا وشعبا» وهو الطريق في الجبل، «لسلكت وادي الأنصار وشعبها»، فتبعتهم في طريقهم، وتركت الطريق الآخر الذي سلكه الناس، وذلك لفضل الأنصار، وذلك أنهم شعار -وهو الثوب الذي على الجلد- «والناس دثار» وهو الثوب الذي فوق الشعار، فأراد أنهم أقرب الناس إليه كقرب الشعار إلى الجسد، ثم قال: «إنكم ستلقون بعدي أثرة»، يعني: ستجدون استبدادا عليكم، وانفرادا بالأموال والحقوق من الأمراء دونكم بما لكم بغير حق بعد موته صلى الله عليه وسلم، فيعطي المسؤول غيركم ما لا يعطيكم، ويستعملهم في الوظائف والولايات ما لا يستعملكم، ثم قال لهم موصيا ومرشدا إلى ما يصنعون: «فاصبروا حتى تلقوني على الحوض»، أي: اصبروا على ما تلقونه في الدنيا من بعدي، حتى تلقوني على الحوض في القيامة سالمين من التنافس والتباغض في حطام الدنيا، فعندها توفون أجوركم من الله تعالى، فتظفرون بالثواب الجزيل على الصبر، وحوض النبي صلى الله عليه وسلم: مجمع ماء عظيم يرده المؤمنون في عرصات القيامة
وفي الحديث: إشارة إلى جلالة رتبة الهجرة، ومنزلة الأنصار
وفيه: أن من فاز بالنبي صلى الله عليه وسلم واتباعه، فقد فاز بكل شيء
وفيه: الصبر عن حظوظ الدنيا وحطامها، وما استؤثر به منها، وادخار ثواب ذلك للدار الآخرة التي لا تفنى
وفيه: علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم؛ فإنه إخبار بما سيقع، وقد وقع على وفق ما أخبر به من الاستئثار على الأنصار بالدنيا، فلم ينالوا رتبة من رتب ولاياتها
وفيه: تأليف قلوب بعض الناس بالمال حتى يثبتوا على الإسلام
وفيه: إثبات الحوض للنبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة