باب الترغيب في الصدقة
بطاقات دعوية
حديث أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرَّةِ الْمَدِينَةِ عِشَاءً، اسْتَقْبَلَنَا أُحُدٌ؛ فَقَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ مَا أُحِبُّ أَنَّ أُحُدًا لِي ذَهَبًا، يَأْتِي عَلَيَّ لَيْلَةٌ أَوْ ثَلاَثٌ عِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ إِلاَّ أَرْصُدُهُ لِدَيْنٍ، إِلاَّ أَنْ أَقُولَ بِهِ فِي عِبَادِ اللهِ هكَذَا وَهكَذَا وَهكَذَا وَأَرَانَا بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ قُلْتُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: الأَكْثَرُونَ هُمُ الأَقَلُّونَ إِلاَّ مَنْ قَالَ هكَذَا وَهكَذَا، ثُمَّ قَالَ لِي: مَكَانَكَ، لاَ تَبْرَحْ يَا أَبَا ذَرٍّ حَتَّى أَرْجِعَ فَانْطَلَقَ حَتَّى غَابَ عَنِّي، فَسَمِعْتُ صَوْتًا، فَخَشِيتُ أَنْ يَكُونَ عُرِضَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَذْهَبَ، ثُمَّ ذَكَرْتُ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ تَبْرَحْ، فَمَكُثْتُ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ سَمِعْتُ صَوْتًا خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ عُرِضَ لَكَ، ثُمَّ ذَكَرْتُ قَوْلَكَ، فَقُمْتُ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَاكَ جِبْرِيلُ، أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لاَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ
كان النبي صلى الله عليه وسلم يحذر الناس من كل شر، ويعلمهم كل خير، ويصوب لهم المفاهيم السائدة بينهم على غير الحقيقة، وعلمنا أن الإيمان الخالص بالله ينفع صاحبه وإن ارتكب بعض المعاصي
وفي هذا الحديث يذكر أبو ذر رضي الله عنه أنه خرج في ليلة من الليالي، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم يمشي وحده منفردا، فظن أبو ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم يكره أن يمشي معه أحد، ويريد أن يكون منفردا في سيره، فتأخر عنه أبو ذر رضي الله عنه ومشى في ظل القمر، وهو المكان الذي ليس للقمر فيه ضوء، وفعل ذلك ليختفي شخصه، وإنما مشى خلف النبي صلى الله عليه وسلم؛ لاحتمال أن يطرأ له صلى الله عليه وسلم حاجة فيكون قريبا منه، فلما أحس به النبي صلى الله عليه وسلم، التفت، فرآه فقال: من هذا؟ فقال أبو ذر رضي الله عنه: أبو ذر -يعرف باسمه- جعلني الله فداءك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: تعال، فمشى معه مدة، ثم أخبره صلى الله عليه وسلم ناصحا أن المكثرين من المال في الدنيا هم الأقل أجرا وثوابا يوم القيامة، إلا من أعطى من ماله الذي أعطاه الله وصرف هذا المال عن اليمين والشمال وأمامه ومن خلفه، وفرق منه على مستحقيه وأنفقه في كافة وجوه الخير، ثم مشى معه مدة أخرى، ثم توقف وقال لأبي ذر رضي الله عنه: اجلس هاهنا، فأمره أن يلزم مكانه ولا يبرحه، فجلس في قاع منخفص حوله حجارة، وهي الأرض السهلة المطمئنة، وأمره صلى الله عليه وسلم أن ينتظره حتى يرجع، ثم ذهب صلى الله عليه وسلم إلى الحرة، وهي الأرض ذات الحجارة السوداء، فأطال اللبث والمكوث في هذه الأرض، ثم لما انتهى مما كان فيه عاد صلى الله عليه وسلم، فسمعه أبو ذر رضي الله عنه وهو راجع يقول: «وإن سرق، وإن زنى»، فلما جاءه لم يصبر أبو ذر رضي الله عنه وسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله ذلك وعما سمعه منه، فأخبره أن جبريل عليه السلام ظهر له في جانب هذه الحرة، وبشره أن من مات من أمته على التوحيد الخالص، ولا يشرك بالله شيئا، أدخله الله عز وجل الجنة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام: «وإن زنى وإن سرق؟» فقال جبريل عليه السلام: نعم، وإن شرب الخمر، والمعنى: أن من مات على التوحيد، فإن مصيره إلى الجنة، وإن اقترف الكبائر، فإنه يناله ما يناله قبل ذلك من العقوبة، إلا أنه لا يخلد في النار إن دخلها
وفي الحديث: الترغيب في الصدقة، والحث عليها
وفيه: بيان أدب أبي ذر رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم، وترقبه أحواله، وشفقته عليه؛ حتى لا يدخل عليه أدنى شيء مما يتأذى به. وهذا من حسن الأدب مع الأكابر، وأن الصغير إذا رأى الكبير منفردا لا يتسور عليه، ولا يجلس معه، ولا يلازمه إلا بإذن منه
وفيه: بيان أن امتثال أمر الكبير والوقوف عنده، أولى من ارتكاب ما يخالفه بالرأي، ولو كان فيما يقتضيه الرأي توهم دفع مفسدة حتى يتحقق ذلك، فيكون دفع المفسدة أولى
وفيه: فضل الله على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وأن مرتكب الكبيرة من الموحدين غير مخلد في النار.
وفيه: استفهام التابع من متبوعه على ما يحصل له فائدة دينية، أو علمية، أو غير ذلك، والمراجعة في العلم بما تقرر عند الطالب في مقابلة ما يسمعه مما يخالف ذلك
وفيه: مشروعية قول الإنسان: جعلني الله فداءك