باب الرمل في الطواف والسعي 3
بطاقات دعوية
عن أبي الطفيل قال قلت لابن عباس - رضي الله عنهما - أرأيت هذا الرمل بالبيت ثلاثة أطواف ومشي أربعة أطواف أسنة هو فإن قومك يزعمون أنه سنة قال فقال صدقوا وكذبوا قال قلت ما قولك صدقوا وكذبوا قال إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدم مكة فقال المشركون إن محمدا وأصحابه لا يستطيعون أن يطوفوا بالبيت من الهزال وكانوا يحسدونه قال فأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يرملوا ثلاثا ويمشوا أربعا قال قلت له أخبرني عن الطواف بين الصفا والمروة راكبا أسنة هو فإن قومك يزعمون أنه سنة قال صدقوا وكذبوا قال قلت وما قولك صدقوا وكذبوا قال إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كثر عليه الناس يقولون هذا محمد هذا محمد حتى خرج العواتق (1) من البيوت قال وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يضرب الناس بين يديه فلما كثر عليه ركب والمشي والسعي أفضل. (م 4/ 64
عَقَدَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في السَّنةِ السَّادِسةِ مِنَ الهِجرةِ صُلحَ الحُدَيبيةِ مع قُرَيشٍ، ومِن ضِمنِ بُنودِه أنْ يَرجِعَ مِن عُمرتِه في هذه السَّنةِ، ثم يَرجِعَ فيَعتَمِرَ في العامِ المُقبِلِ على أنْ تُخلِّيَ له قُرَيشٌ البَيتَ الحرامَ ثلاثةَ أيَّامٍ.
وفي هذا الحديثِ يَروي عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّه لَمَّا جاء النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى مكَّةَ في السَّنةِ السَّابعةِ مِنَ الهِجرةِ لِيَعتَمِرَ عُمرةَ القَضِيَّةِ أرادَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يُبيِّنَ كَذِبَ قُرَيشٍ عندَما أشاعوا أنَّ أصحابَه قد أضعَفَتْهم حُمَّى المدينةِ وأنهَكَتْ أجسادَهم، وأرادَ أنْ يُظهِرَ قُوَّةَ المُسلِمينَ أمامَ قُرَيشٍ.
فأمَرَ أصحابَه رَضيَ اللهُ عنهم أنْ يَرمُلوا، أيْ: يُسرِعوا خُطواتِهم، في الأشواطِ الثَّلاثةِ الأُولى مِنَ الطَّوافِ، ما عدا ما بَينَ الرُّكنَيْنِ، والمُرادُ بهما الرُّكنانِ، اليَمانِيُّ والأسوَدُ، فيَمشُوا على راحَتِهم وبهُدوءٍ؛ حتى يَستَريحوا، حيث لا تَقَعُ عليهم أعيُنُ المُشرِكينَ في تلك الجِهةِ -وكان المُشرِكونَ يَقِفونَ عن بُعدٍ؛ لِيَرَوُا المُسلِمينَ-، فرَمَلوا في الأشواطِ الثَّلاثةِ الأُولى، ومَشَوْا في الأربعةِ الأخيرةِ، ولم يَمنَعْه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَأمُرَهم أنْ يُسرِعوا في الأشواطِ كُلِّها إلَّا الشَّفَقةُ عليهم، والرِّفقُ بهم؛ فقدْ كان رَفيقًا رَحيمًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
لكنْ عِندَما جاء النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَعدَ ذلك في حَجَّةِ الوَداعِ كان له شأنٌ آخَرُ، كما في الصَّحيحَيْنِ عن عَبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ قال: «رَأيتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ إذا استَلَمَ الرُّكنَ الأسوَدَ، أوَّلَ ما يَطُوفُ: يَخُبُّ ثَلاثةَ أطوافٍ مِنَ السَّبْعِ»، فظاهِرُه أنْ يُسرِعَ في الأشواطِ الثَّلاثةِ كامِلةً، حتى بَينَ الرُّكنَيْنِ -لا يَمشي-، وذلك مُتأخِّرٌ في الزَّمَنِ، فيُقَدَّمُ، واستقَرَّتْ سُنَّةُ الرَّمَلِ على ذلك.
وفي الحَديثِ: الأمرُ بالرَّمَلِ في الأشواطِ الثَّلاثةِ الأُولى مِن طَوافِ العُمرةِ.
وفيه: تَسميةُ الطَّوفةِ شَوطًا.
وفيه: إظهارُ القُوَّةِ بالعُدَّةِ والسِّلاحِ ونَحوِ ذلك للكُفَّارِ؛ إرهابًا لهم، ولا يُعَدُّ ذلك مِنَ الرِّياءِ المَذمومِ.
وفيه: أنَّ المَعاريضَ تَكونُ بالفِعلِ، كما تكونُ بالقَولِ، ورُبَّما كانتْ بالفِعلِ أوْلى.