باب الشرب من قدح النبي - صلى الله عليه وسلم - وآنيته 2
بطاقات دعوية
عن عاصم الأحول قال: رأيت قدح النبي - صلى الله عليه وسلم - عند أنس بن مالك [وشربت فيه 4/ 47]، وكان قد انصدع فسلسله بفضة [مكان الثقب] (11). قال: وهو قدح جيد عريض (12) من نضار. قال: قال أنس: لقد سقيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا
أحَبَّ الصَّحابةُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حبًّا شديدًا، وحملهم هذا الحُبُّ على التزامِ أمْرِه، والاقتداءِ بفِعْلِه، واقتِفاءِ أثَرِه، وحِفْظِ آثارِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والتبرُّكِ بها.
وهذا الحديثُ يُظهِرُ عِنايةَ أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بآثارِه، وحِفْظَهم لها؛ فإنَّ أنسَ بنَ مالكٍ رضِيَ اللهُ عنه كان يَحتفِظُ بالقدَحِ الَّذي كان يَشرَبُ فيه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقد رآه التابعيُّ عاصِمٌ الأحوَلُ عند أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه ووصفه كما رآه، فأخبر أنَّ هذا القدَحَ كان عَريضًا مِن نُضَارٍ، والنُّضارُ هو الحَسَنُ الخالِصُ مِن كُلِّ شَيءٍ، وقيل: إنَّه مِن خَشَبِ الأثلِ، وقيل: من شَجرِ النَّبعِ، ولونُه يميلُ إلى الصُّفرةِ. وكان هذا الإناءُ قدْ تَشقَّقَ وانكسَر، فأصلحه ووصَله أنَسٌ رضِي اللهُ عنه بفضَّةٍ.
وكان يقولُ: إنَّه سَقى في هذا القدَحِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مرَّاتٍ كثيرةً، وفي روايةٍ أخرى في صحيحِ مُسلمٍ قال: «لقد سَقَيتُ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بقَدَحي هذا الشَّرابَ كُلَّه: العَسَلَ، والنَّبيذَ، والماءَ، واللَّبنَ». والنبيذُ هنا هو ما يُنقع في الماء من الثِّمار كالتَّمْر والزَّبيب قبل أن يُسْكر.
ويُخبِرُ التابِعيُّ محمَّدُ بنُ سيرينَ أنَّه كان في هذا القَدَحِ حَلقةً مِن حديدٍ، فأراد أنسٌ رضِيَ اللهُ عنه أنْ يَجعلَ مكانَ هذه الحَلقةِ حَلْقةً أخرى مِن الذَّهبِ أو الفضَّةِ -الشَّكُّ مِنَ الرَّاوي، أو هو يحكي تردُّدَ أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه عند الإقدامِ على الفِعلِ- فنهاه الصَّحابيُّ أبو طَلحةَ الأنصاريُّ رَضِيَ اللهُ عنه عن ذلك -أبو طلحةَ رَضِيَ اللهُ عنه هو زوجُ أمِّ سَلِيمٍ والدةِ أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه- وقال له: لا تُغيِّرَنَّ شيئًا صَنَعه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فامتثَل أنسٌ رضِيَ اللهُ عنه، وترَك الإناءَ على حالِه.
وفي الحَديثِ: الشُّربُ من قَدَحِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وآنيَتِه من بابِ التبرُّكِ بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وامتِثالِ فِعْلِه.
وفيه: شِدَّةُ محَبَّةِ الصَّحابةِ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم واقتفائِهم أثَرَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وفيه: مَشروعيَّةُ تَضبيبِ الأواني باليسيرِ مِن الفضَّةِ أو الذَّهَبِ.
القدح أكثر من كذا وكذا.