باب الصبر 23
بطاقات دعوية
وعن أبي هريرةَ - رضي الله عنه: أنَّ رَجُلًا قَالَ للنبي - صلى الله عليه وسلم: أوصِني. قَالَ: «لا تَغْضَبْ» فَرَدَّدَ مِرارًا، قَالَ: «لَا تَغْضَبْ». رواه البخاري. (1)
الغضب غريزة ركبها الله في طبيعة الإنسان، وهو: تغير يحصل عند فوران دم القلب؛ ليحصل عنه التشفي في الصدر، والناس متفاوتون في مبدئه وأثره؛ ومن ثم كان منه ما هو محمود، وما هو مذموم؛ فمن كان غضبه في الحق، ولا يجره لما يفسد عليه دينه ودنياه، فهو غضب محمود، ومن كان غضوبا في الباطل، أو لا يستطيع التحكم في غضبه إذا غضب، ويجره الغضب لتجاوز الحد، وإفساد دينه ودنياه؛ فهذا غضب مذموم
وفي هذا الحديث يحكي أبو هريرة رضي الله عنه أن رجلا -اسمه جارية بن قدامة رضي الله عنه- طلب الوصية من النبي صلى الله عليه وسلم، فأوصاه صلى الله عليه وسلم ألا يغضب، وهو محمول على الغضب المذموم. وقيل: لعل السائل كان غضوبا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينصح كل واحد من أصحابه بما هو أولى به ويحتاجه؛ فلهذا اقتصر في وصيته له على ترك الغضب. وقيل: معناه: اجتنب أسباب الغضب، ولا تتعرض لما يجلبه، وأما الغضب نفسه فلا يتأتى النهي عنه؛ لأنه أمر طبعي لا يزول من الجبلة. وقيل: معناه: لا تغضب؛ لأن أعظم ما ينشأ عنه الغضب الكبر؛ لكونه يقع عند مخالفة أمر يريده؛ فيحمله الكبر على الغضب؛ فالذي يتواضع حتى تذهب عنه عزة النفس يسلم من شر الغضب. وقيل: معناه: لا تفعل ما يأمرك به الغضب. وقد جمع صلى الله عليه وسلم في قوله: «لا تغضب» خيري الدنيا والآخرة؛ لأن الغضب يؤول إلى التقاطع ومنع الرفق، وربما آل إلى إيذاء المغضوب عليه
وردد الرجل طلب الوصية من رسول الله صلى الله عليه وسلم مرارا، كأنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم مرة بعد مرة: أوصني يا رسول الله، فلم يزده صلى الله عليه وسلم في الوصية على "لا تغضب" مع تكراره الطلب