باب اللبن
سنن ابن ماجه
حدثنا هشام بن عمار، حدثنا إسماعيل بن عياش، حدثنا ابن جريج، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أطعمه الله طعاما، فليقل: اللهم بارك لنا فيه، وارزقنا خيرا منه، ومن سقاه الله لبنا، فليقل: اللهم بارك لنا فيه، وزدنا منه، فإني لا أعلم ما يجزئ من الطعام والشراب إلا اللبن" (1)
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا عافَ مِنَ الطَّعامِ شيئًا ترَكه، وفي هذا الحديثِ يَحكِي عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما: أنَّه كان في بَيْتِ مَيمونةَ رضِيَ اللهُ عنه، وهي ميمونةُ بنتُ الحارِثِ، زَوجُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وكانتْ خالَةَ ابنِ عبَّاسٍ، "فدخل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ومعه خالدُ بنُ الوليدِ، فجاؤوا بِضَبَّيْنِ مَشْوِيَّيْنِ على ثُمامَتَيْنِ"، أي: على عودَيْنِ يَحمِلانِ الضَّبَّيْنِ أثناءَ الشَّوْيِ، والضَّبُّ: حيوانٌ مِنَ الزَّواحِفِ يَكْثُرُ في الصَّحارِي العربيَّةِ.
قال: "فتَبَزَّقَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"، أي: تَفَلَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تَقذُّرًا؛ وذلك لِأنَّه لم يَأْلَفْه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، "فقال خالِدٌ: إِخالُكَ"، أي: أَظُنُّكَ، "تَقْذَرُهُ يا رسولَ اللهِ"، أي: تَكرهُه، "قال" النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "أَجَلْ"، أي: إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عافَه وكرِهَه، وليس المقصودُ هنا الكراهةَ الشَّرعيَّةَ، وإنَّما المقصودُ كراهةُ نَفْسِهِ البشريَّةِ لهذا النَّوعِ مِنَ الطَّعامِ.
قال: "ثمَّ أُتِيَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بلَبَنٍ فشرِب، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إذا أَكَلَ أحدُكم طعامًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بارِكْ لنا فيه"، أي: اجعَلْ لنا فيه الخيرَ بالزِّيادةِ والنَّماءِ، "وأطعِمْنا خيرًا منه"، أي: وارْزُقْنا ما هو أفضلُ منه، "وإذا سُقِيَ لَبَنًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بارِكْ لنا فيه، وزِدْنا منه"؛ فإنَّه ليس شيءٌ يُجزِئُ مِنَ الطَّعامِ والشَّرابِ، أي: يَصْلُحُ مَقامَ الأكْلِ إذا جاع الإنسانُ ويصلُحُ مقامَ الشُّرْبِ إذا عطِش "إلَّا اللَّبَنُ".
وفي الحديثِ: بيانٌ لأفضليَّةِ اللَّبَنِ وما فيه مِن فائدةٍ تَجمَعُ بين كَوْنِهِ طعامًا لِمَنْ أراد الطَّعامَ، وشرابًا لِمَنْ أراد الشَّرابَ.