باب المجاهدة 16
بطاقات دعوية
عن أنس - رضي الله عنه - عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربّه - عز وجل - قَالَ: «إِذَا تَقَربَ العَبْدُ إلَيَّ شِبْرًا تَقَربْتُ إِلَيْه ذِرَاعًا، وَإِذَا تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِرَاعًا تَقَربْتُ مِنهُ بَاعًا، وِإذَا أتَانِي يَمشي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً» (1) رواه البخاري. (2)
كان الصحابة رضي الله عنهم سرعان ما يستجيبون لأوامر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ويتكلف كل فرد منهم ما يستطيع بذله وإنفاقه
وفي هذا الحديث يروي أبو مسعود الأنصاري رضي الله عنه أنه لما نزلت آية الصدقة، كأنه يشير إلى قوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} [التوبة: 103]، كنا نحامل، أي: نحمل للغير على ظهورنا بالأجرة بقصد التكسب حتى نخرج الصدقة، وهذا وصف لحالهم من الفقر والشدة في ذاك الوقت؛ ففي رواية النسائي: «فما يجد أحدنا شيئا يتصدق به حتى ينطلق إلى السوق، فيحمل على ظهره، فيجيء بالمد فيعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم»، فجاء رجل -يقال: إنه عبد الرحمن بن عوف- فتصدق بشيء كثير من ماله، فقال المنافقون: مراء، ما قصد به وجه الله! وجاء رجل فتصدق بصاع من طعام، والصاع يساوي بالجرام 2036جراما في أقل تقدير، أي: كيلي جرام وستا وثلاثين جراما، وفي أعلى تقدير يساوي: 4288 جراما، أي: أربعة كيلوات ومئتين وثمانية وثمانين جراما. فقال المنافقون: إن الله غني عن صاع هذا! فأنزل الله عز وجل: {الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم} [التوبة: 79]، ومعناها: الذين يعيبون المتطوعين الأغنياء من المؤمنين ببذل الصدقات، ويعيبون أيضا الذين لا يجدون إلا شيئا قليلا هو حاصل ما يقدرون عليه، فيسخرون منهم قائلين: ماذا تجدي صدقتهم؟! سخر الله منهم؛ جزاء على سخريتهم بالمؤمنين، ولهم عذاب موجع، وهذا من باب المقابلة على سوء صنيعهم، واستهزائهم بالمؤمنين؛ لأن الجزاء من جنس العمل، فعاملهم معاملة من سخر منهم؛ انتصارا للمؤمنين في الدنيا
وفي الحديث: الحث على الصدقة بما قل وما جل
وفيه: أنه ينبغي ألا يحتقر الإنسان ما يتصدق به
وفيه: ما كان عليه السلف من التواضع، والحرص على الخير، واستعمالهم أنفسهم في المهن والخدمة