باب: بركة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الطعام 4
بطاقات دعوية
عن عبد الرحمن بن أبي بكر - رضي الله عنهما - أن أصحاب الصفة كانوا ناسا فقراء وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال مرة من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثلاثة ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس بسادس أو كما قال وإن أبا بكر جاء بثلاثة وانطلق نبي الله - صلى الله عليه وسلم - بعشرة وأبو بكر بثلاثة قال فهو وأنا وأبي وأمي ولا أدري هل قال وامرأتي وخادم بين بيتنا وبيت أبي بكر قال وإن أبا بكر - رضي الله عنه - تعشى عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم لبث حتى صليت العشاء ثم رجع فلبث حتى نعس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاء بعدما مضى من الليل ما شاء الله قالت له امرأته ما حبسك عن أضيافك أو قالت ضيفك قال أو ما عشيتهم قالت أبوا حتى تجيء قد عرضوا عليهم فغلبوهم قال فذهبت أنا فاختبأت وقال يا غنثر (1) فجدع (2) وسب وقال كلوا لا هنيئا (3) وقال والله لا أطعمه أبدا قال وايم الله ما كنا نأخذ من لقمة إلا ربا من أسفلها أكثر منها قال حتى شبعنا وصارت أكثر مما كانت قبل ذلك فنظر إليها أبو بكر - رضي الله عنه - فإذا هي كما هي أو أكثر قال لامرأته يا أخت بني فراس ما هذا قالت لا وقرة عيني (4) لهي الآن أكثر منها قبل ذلك بثلاث مرار قال فأكل منها أبو بكر وقال إنما كان ذلك من الشيطان يعني يمينه ثم أكل منها لقمة ثم حملها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأصبحت عنده قال وكان بيننا وبين قوم عقد فمضى الأجل ففرقنا (5) اثنا عشر رجلا مع كل رجل منهم أناس الله أعلم كم مع كل رجل إلا أنه بعث معهم فأكلوا منها أجمعون أو كما قال. (م 6/ 130) العلماء صاحب أيلة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكتاب وأهدى له بغلة بيضاء فكتب إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهدى له بردا ثم أقبلنا حتى قدمنا وادي القرى فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المرأة عن حديقتها كم بلغ ثمرها فقالت عشرة أوسق فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إني مسرع فمن شاء منكم فليسرع معي ومن شاء فليمكث فخرجنا حتى أشرفنا على المدينة فقال هذه طابة وهذا أحد وهو جبل يحبنا ونحبه ثم قال إن خير دور الأنصار دار بني النجار ثم دار بني عبد الأشهل ثم دار بني عبد الحارث بن الخزرج ثم دار بني ساعدة وفي كل دور الأنصار خير فلحقنا سعد بن عبادة فقال أبو أسيد ألم تر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خير دور الأنصار فجعلنا آخرا فأدرك سعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله خيرت دور الأنصار فجعلتنا آخرا فقال أو ليس بحسبكم أن تكونوا من الخيار. (م 7/ 61
أصحابُ الصُّفَّةِ هم قومٌ فُقراءُ مِن الصَّحابةِ، كانوا غُرباءَ لا بُيوتَ لهم ولا أهلَ ولا مأوَى، وكان لهم في آخِرِ المسجدِ النَّبويِّ مكانٌ مخصَّصٌ به صُفَّةٌ أو مِظلَّةٌ يَبيتون تحتَها؛ فسُمُّوا بأهلِ الصُّفَّةِ لذلك.وفي هذا الحَديثِ يَحكي عبدُ الرَّحمنِ بنُ أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أمَر أصحابَه رَضيَ اللهُ عنهم أنَّ مَن تَيسَّر له وكان عِندَه طَعامُ اثنينِ فلْيَذهَبْ ويَضُمَّ إليه ثالثًا مِن أهلِ الصُّفَّةِ ويأخُذه لِيُطعِمَه معه، وإن كان عِندَه طَعامُ أربَعٍ فلْيَذهَبْ معه بخامِسٍ أو بسادِسٍ منهم؛ لأنَّهم كانوا فُقراءَ. فانطَلَقَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعَشَرةٍ مِن أهلِ الصُّفَّةِ ليُطعِمَهم عندَه، وجاءَ أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ رَضيَ اللهُ عنه بثَلاثةٍ إلى بَيتِه، ولكنَّه ترَكَهم لأهلِ بَيتِه وأَوْصاهم بإكرامِهم وإطعامِهم، ثمَّ رجَع إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأكَلَ طَعامَ العَشاءِ عِندَه، ثمَّ ظلَّ مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى صلَّى معه العِشاءَ، ورجَع إلى دارِه بَعْدَما مَضى مِن اللَّيلِ ما شاءَ اللهُ، فسألَتْه امرأتُه أُمُّ رُومانَ -وهي أمُّ عائشةَ رَضيَ اللهُ عنهما- عن سببِ تأخُّرِه عن أضيافِه الثَّلاثةِ مِن أهلِ الصُّفَّةِ، فسألَها أبو بكرٍ رَضيَ اللهُ عنه مُستنكِرًا: «أوَما عَشَّيتِيهِم؟!» فأخبَرَتْه أنَّ الأضْيافَ قدْ عُرِضَ عليهم الطعامُ فامْتَنَعوا مِنَ الأكلِ وأَبَوْا أنْ يَأكُلوا حَتَّى تَرجِعَ إليهم. قال عَبدُ الرَّحمنِ بنُ أبي بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه: فذَهَبتُ أنا فاختَبَأتُ خَوفًا مِن أبي وشَتْمِه، فقال أبو بكرٍ رَضيَ اللهُ عنه: يا «غُنْثَرُ»، أي: يا ثَقيلُ أو يا جاهِلُ أو يا دَنيءُ أو يا لَئيمُ، «فَجَدَّعَ»، دَعا على ولَدِه بالجَدْعِ وهو قَطعُ الأُذُنِ أو الأنفِ أو الشَّفةِ. وسَبَّ ولَدَه؛ ظَنًّا منه أنَّه فَرَّطَ في حَقِّ الأضيافِ.ثُمَّ قال أبو بكرٍ رَضيَ اللهُ عنه لَمَّا تَبَيَّنَ له أنَّ سببَ التَّأْخيرِ مِن الأضيافِ: كُلوا لا هَنيئًا؛ تَأديبًا لهم لأنَّهم تَحَكَّموا على رَبِّ المَنزِلِ بالحُضورِ معهم، ولَم يَكتَفوا بوَلدِه مع إذْنِه لهم في ذلك، أو أنَّكم لَم تَتهَنَّوْا بالطَّعامِ في وقْتِه، ثمَّ حَلَفَ أبو بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه ألَّا يَطْعَمَه، فقال: واللهِ لا أَطعَمُه أبَدًا. ثمَّ أقسَمَ عبدُ الرَّحمنِ رَضيَ اللهُ عنه: «وايْمُ اللهِ، ما كُنَّا نَأخُذُ مِن لُقْمةٍ إلَّا رَبَا مِن أسفَلِها»، أي: إنَّ الطَّعامَ مهما كان يُؤخَذُ منه مِن لُقمةٍ زادَ في مَوضِعها، ولم يَنقُصْ حَتَّى شَبِعوا، وصارَت الأطعِمةُ أكثَرَ مِمَّا كانت قبْلَ ذلك، فنَظَر إليها أبو بكرٍ رَضيَ اللهُ عنه، فإذا الأطعِمةُ أو الجَفْنةُ -وهي الوعاءُ- كما هيَ على حالِها الأوَّلِ لَم تَنقُصْ شَيئًا، أو هيَ أكثَرُ منها. فقال لامرَأتِه: يا أُخْتَ بَني فِراسٍ، أي: يا أختَ القَومِ المنتسبينَ إلى فِراسٍ -وهو فراسُ بنُ غَنمِ بنِ مالكِ بنِ كِنانةَ- ما هذا؟ استِفهامٌ عن حالِ الأطعِمةِ، قالت أُمُّ رُومانَ: «لا وقُرَّةِ عَيني، لَهِيَ» أي: الأطعِمةُ أو الجَفْنةُ «الآنَ أكثرُ مِنها قبْلَ ذلك بثَلاثِ مَرَّاتٍ»، فأقسمَتْ بما رأَتْه مِن قُرَّةِ عَينِها مِن بَرَكةٍ، وسُرورِها بذلك، وقُرَّةُ العَينِ يُعَبَّرُ بها عن المسَرَّةِ ورُؤيةِ ما يُحِبُّه الإنسانُ ويوافِقُه.فأكَلَ أبو بكرٍ رَضيَ اللهُ عنه مِن الأطعِمةِ أو مِن الجَفْنةِ، وقال: إنَّما كان يَمينُه السابقُ بعدَمِ الأكلِ مِن الشَّيطانِ، وذلك حينَ قال: واللهِ لا أَطعَمُه أبَدًا، فأَخْزاهُ بالحِنْثِ الَّذي هو خَيرٌ، أو المُرادُ لا أَطْعَمُه معكم، أو في هذه السَّاعةِ، أو عِندَ الغَضَبِ، ثمَّ أكَلَ أبو بكرٍ رَضيَ اللهُ عنه منها لُقمةً أُخرى؛ لِتَطيِيبِ قُلوبِ أضيافِه، وتَأكيدًا لِدَفعِ الوَحشةِ، ثمَّ حمَلَ هذا الوعاءَ بما فيه مِنَ الطَّعامِ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَأصبَحَت عِندَه، وفي روايةٍ للبُخاريِّ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أكَل منها.
ثمَّ قال عبدُ الرَّحمنِ بنُ أبي بكرٍ رَضيَ اللهُ عنهما: وكانَ بَيْنَنا وبيْنَ قَومٍ عَقْدٌ، والمرادُ به العهدُ والهُدْنةُ، فانتهى الأجَلُ، وهي المدَّةُ المحدَّدةُ لهذا العقدِ والهُدنة؛ فجاؤوا إلى المَدينةِ، فقسَّمَهم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى اثنَتَيْ عَشْرةَ فِرقةً، وجعَل على رأسِ كلِّ فِرقةٍ رَجُلًا، واللهُ وحْدَه هو أعلَمُ بعددِ الرِّجالِ في كلِّ فِرقةٍ، وفي صَحيحِ مُسلمٍ: «فعَرَّفَنا»، أي: جعَلَنا عُرَفاءَ نُقَباءَ على قَومِهم. فأكَل هؤلاء الناسُ مِن الأطْعمةِ أجمَعونَ، فكَفاهم لِما جعَل اللهُ فيه مِن البَرَكةِ.
وفي الحَديثِ: فَضيلةُ الإيثارِ والمواساةِ.
وفيه: ما كان عليه أبو بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه مِن حُبِّ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، والانقِطاعِ إليه، وإيثارِه في لَيلِه ونَهارِه على الأهلِ والأضيافِ.
وفيه: كَرامةٌ ظاهِرةٌ للصِّدِّيقِ رَضيَ اللهُ عنه.
وفيه: الحِنثُ في اليَمينِ والتكفيرُ عنه إذا رأَى غَيْرَها خَيرًا منها.
وفيه: إشارةٌ إلى أنَّ البَرَكةَ تَتضاعَفُ على الطَّعامِ مع الكَثرةِ والاجتماعِ.
وفيه: أنَّ الولدَ والأهلَ يَلزَمُهم مِن خِدمةِ الضَّيفِ ما يَلزَمُ صاحبَ المنزِلِ.