باب: تألف قلب من يخاف على إيمانه لضعفه والنهي عن القطع بالإيمان من غير دليل قاطع
بطاقات دعوية
كان النبي صلى الله عليه وسلم يعامل الناس بحكمة النبوة، فيعلم ما يناسب حال كل شخص ممن حوله، ويعامله بما يصلح حاله، ويثبته على الإيمان
وفي هذا الحديث يحكي سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى مالا لرهط من المؤلفة قلوبهم، فكثير من الناس يدخل في الإسلام طمعا في مال أو جاه، ثم يدخل الإيمان في قلبه بعد ذلك، فيكون من خيار المسلمين، والرهط: من ثلاثة إلى عشرة، وكان ذلك في حضور سعد رضي الله عنه، وترك النبي صلى الله عليه وسلم واحدا لم يعطه، وهو أعجبهم إلى سعد، وأفضلهم وأصلحهم في ظنه واعتقاده، فسأل سعد رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم عن سبب تركه له مع أنه يراه «مؤمنا» بحسب العلامات ظاهرة التي تدل على هذا الإيمان، فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم: «أو مسلما»، ومقصده صلى الله عليه وسلم: لا تسرع بالحكم عليه بالإيمان، فكان هذا زجرا لسعد عن الشهادة بالإيمان؛ لأن الإيمان باطن في القلب، لا اطلاع للعبد عليه؛ فالشهادة به شهادة على ظن، فلا ينبغي الجزم بذلك، وأمره أن يشهد بالإسلام؛ لأنه أمر مطلع عليه، إلا أن سعدا رضي الله عنه لم يظهر له في مراجعة النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «أو مسلما» ما ينهاه عن قول ذلك، ومن ثم عاود سعد رضي الله عنه مقالته، وعاود رسول الله صلى الله عليه وسلم الرد عليه بما رد عليه أول مرة.ثم وضح النبي صلى الله عليه وسلم لسعد سبب العطاء لبعض الناس والمنع لآخرين، فقال: إني لأعطي الرجل لأتألف قلبه بالإعطاء؛ مخافة من كفره إذا لم يعط؛ لأني أخشى عليه لو لم أعطه أن يعرض له اعتقاد يكفر به، فيكبه الله تعالى في النار، وأما من قوي إيمانه فهو أحب إلي، فأكله إلى إيمانه، ولا أخشى عليه رجوعا عن دينه، ولا سوء اعتقاد إذا لم يعط.وفي الحديث: أن من أدب الإسلام ألا نقطع لأحد بالإيمان الباطني، أو نقسم على ذلك اعتمادا على ما يظهر لنا من إسلامه وانقياده الظاهري، حتى وإن كانت المعاملة والوصف بالإسلام بحسب الظاهر.وفيه: أن لفظي الإيمان والإسلام إذا اجتمعا افترقا في المعنى؛ فيكون الإسلام بمعنى الأعمال الظاهرة، والإيمان بمعنى الأعمال القلبية الباطنة