باب جعل الإذن رفع الحجاب
بطاقات دعوية
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذنك علي أن يرفع الحجاب وأن تسمع (1) سوادي (2) حتى أنهاك. (م 7/ 6
حرَصتْ شَريعةُ الإسلامِ على رِعايةِ حُرمةِ البُيوتِ، وحفْظِ العَوْراتِ، ومنَعَتْ مِن الاطِّلاعِ عليها؛ لِيَكونَ المُجتمَعُ طاهِرًا عَفيفًا، ومِن أجْلِ ذلك شُرِعَت أحكامُ الاستئذانِ.
وفي هذا الحديثِ يَرْوي عبدُ الله بنُ مَسْعودٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جَعَل له إذنًا خاصًّا به، وهو أنَّه إذا جاء بَيتَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فوجَد السِّترَ قد رُفع، دَخَل مِن غيرِ إذنٍ بالقَوْل، ولم يَجْعَلْ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذلك لغَيْرِه إلَّا بالقَوْلِ، ثُمَّ قال له: «وأنْ تَستمِعَ سِوَادِي»، أي: ولكَ أنْ تَسمَعَ سِرِّي، يُقال: ساوَدْتُ الرَّجُلَ مُساوَدَةً؛ إذا سارَرْتَه، وهذا لِيَعْلَمَ ابنُ مسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في البيتِ؛ لأنَّه قدْ يُرفَعُ الحِجابُ وبالبيتِ نِسْوَةٌ ليسَ هو صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَعَهُنَّ. «حتَّى أنهاك» أي: حتَّى أقولَ لَكَ: ارْجِعْ، أو يكون المعنى: إذا نَهَيْتُكَ عن الدُّخولِ، وعن استماعِ السِّرِّ، فأنتَ كسائرِ النَّاسِ، لا بُدَّ أنْ تَستأذِنَ بالقولِ، وإنَّما خَصَّ ابنَ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه بذلكَ؛ لأنَّه كان يَخدُمُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فيَسَّرَ عليه الدُّخولَ واستماعَ الكلامِ حتَّى لا يَشُقَّ عليه.
ويُؤخَذُ مِن الحديثِ اعتمادُ العَلامةِ في الإذنِ، وأنَّ رَفْعَ الحِجابِ والسِّترِ يُغنِي عن الإذنِ لِمِثلِ مَن كان مَقصودًا، كالسُّلطان والأمراءِ والحُكَّامِ والكِبراءِ؛ فإذا جعَل السُّلطانُ والأميرُ والقاضِي ونحْوُهم؛ رفْعَ السِّتْرِ الَّذي على بابِه علامةً في الإذن في الدُّخولِ عليه للنَّاسِ عامَّةً أو لطائفةٍ خاصَّةٍ أو لشَخصٍ، أو جعَلَ علامةً غير ذلك جازَ اعتمادُها والدُّخول إذا وُجِدتْ بغيرِ استئذانٍ وكَذا إذا جَعَل الرَّجُلُ ذلِك علامةً بيْنه وبيْن خَدِمه وكِبارِ أولادِه وأهلِه، ومتَى وضَعَ حِجابَه فلا دُخولَ عليه إلَّا باستئذانٍ.
وفي الحديثِ: مَنقَبةٌ لعبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه.