باب خلق الإنسان خلقا لا يتمالك
بطاقات دعوية
عن أنس - رضي الله عنه - قال إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لما صور الله آدم في الجنة تركه ما شاء الله أن يتركه فجعل إبليس يطيف به ينظر ما هو فلما رآه أجوف عرف أنه خلق خلقا لا يتمالك. (م 8/ 31)
الشَّيطانُ عدُوٌّ لِبَني آدَمَ، وقدْ بَدَأت عَداوتُه مُنذُ أنْ عَصى أمْرَ اللهِ بالسُّجودِ لآدَمَ عليه السَّلامُ استكبارًا، فغَضِبَ اللهُ عليه، وأنْظَرَه إلى يومِ البَعثِ، وقدْ تَعهَّدَ إبليسُ بأنَّه سيَظَلُّ بالمِرصادِ لِآدَمَ وذُرِّيَّتِه؛ ليُغوِيَهم ويُضِلَّهم ويُزيِّنَ لهم طَريقَ الضَّلالِ والبُعدِ عن مَنهجِ اللهِ
وفي هذا الحديثِ يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ لَمَّا خلَقَ آدَمَ أبا البشرِ، وأظْهَرَ صُورتَه في الجنَّةِ، وفي الصَّحيحينِ: «خلَقَ اللهُ آدمَ وطُولُه سِتُّون ذِراعًا»، تَركَه اللهُ عزَّ وجلَّ ما شاءَ اللهُ أنْ يَترُكَه مِن الوقتِ غيرِ المعلومِ على تلكَ الحالِ ودونَ أنْ يُنفَخَ فيه الرُّوحُ، فجَعلَ إبليسُ يَدورُ حَولَ تلكَ الصُّورةِ المخلوقةِ وذلك الجسَدِ، يَنظُرُ إليه مِن جَميعِ جِهاتِه ويَعرِفُ ما هوَ؟ وما حَقيقتُه؟ فلمَّا رَآه «أَجوفَ»، أي: صاحبَ جَوفٍ، وهو البَطنُ، أو خاليًا مِنَ الدَّاخلِ، والجوفُ مِن كلِّ شَيءٍ الباطنُ والفراغُ الَّذي يَقبَلُ أنْ يُشغَلَ ويُملَأَ، فلمَّا رآهُ إبليسُ بهذه الكيفيَّةِ، عَرَفَ أنَّه خُلِقَ خَلْقًا «لا يَتمالَكُ»، أي: لا يَتَقوَّى بعضُه ببَعضٍ، ولا قُوَّةَ له، ولا ثَباتَ، بلْ يكونُ مُتزلْزِلَ الأمرِ، مُتغيِّرَ الحالِ، مُتعرِّضًا للآفاتِ، والتَّمالُكُ: التَّماسُكُ، وقيل: لا يَملِكُ نفسَه في كَفِّها عنِ الشَّهواتِ، وفي دَفعِ الوَسواسِ والغَضبِ ونَحوِه؛ لأنَّ الجَوفَ يَقلبُه ويَذهَبُ بهِ هُنا وهُناك، والأجوفُ: ضَعيفُ الصَّبْرِ مِن حيثُ إنَّه لا يَثبُتُ ثُبُوتَ مَا لَيْسَ بأجوفٍ، ومِن حيثُ إنَّه مُفتقِرٌ إلى الغِذاءِ لا يَصبِر عنه؛ فيَطْمَعُ فيه إبليسُ بأنْ يُثِيرَ شَهوةَ البطنِ والفَرْجِ، وبأنْ يَنفُخَ في الفَراغاتِ فيُهيِّجَ الغرائزَ والانفعالاتِ فيُغْوِيَه
وفي الحديثِ: بَيانُ خَلْقِ الإِنسانِ وكَيفيَّةِ خَلْقِ آدمَ عليه السَّلامُ
وفيه: بَيانُ عَداوةِ إبليسَ لآدَمَ وذُرِّيَّتِه مِن أوَّلِ ما خُلِق إلى قِيامِ السَّاعةِ