باب ذكر الموت والاستعداد له2
سنن ابن ماجه
حدثنا الزبير بن بكار، حدثنا أنس بن عياض، حدثنا نافع بن عبد الله، عن فروة بن قيس، عن عطاء بن أبي رباح
عن ابن عمر، أنه قال: كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجاءه رجل من الأنصار فسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم قال: يا رسول الله، أي المؤمنين أفضل؟ قال: "أحسنهم خلقا" قال: فأي المؤمنين أكيس؟ قال: "أكثرهم للموت ذكرا، وأحسنهم لما بعده استعدادا، أولئك الأكياس" (1)
العاقِلُ هو مَن يَسيرُ في حياتِه وعَينُه على آخِرَتِه؛ لأنَّ مَن صحَّت بِدايتُه استَقامَتْ نِهايتُه، ومَن تَذكَّرَ الموتَ ومُصيبتَه هانَت عليه جميعُ المصائبِ وأحسَنَ العملَ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ عبدُ اللهِ بنُ عُمرَ رَضِي اللهُ عنهما: "كنتُ معَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فجاءَه رجلٌ مِن الأنصارِ، فسَلَّم على النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، ثمَّ قال: يا رسولَ اللهِ، أيُّ المؤمِنينَ أفضَلُ؟ قال: أحسَنُهم خُلقًا"، أي: أفضَلُهم خُلقًا هو أفضَلُ النَّاسِ، وهذا ليس على الإطلاقِ، ولكنَّه نوعٌ مِن التَّفضيلاتِ الَّتي ذكَرَها النَّبيُّ صلَّى الله عليه سلم في أحاديثَ مُتعدِّدةٍ يتَناسَبُ كلٌّ مِنها مع الحالِ والمقامِ، قال الرَّجلُ: "فأيُّ المؤمِنين أكيَسُ؟"، والكَيْسُ: العَقْلُ والفِطْنةُ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "أكثَرُهم للمَوتِ ذِكْرًا، وأحسَنُهم لِمَا بعْدَه استِعْدادًا؛ أولئكَ الأَكْياسُ"، والأكياسُ: العُقَلاءُ، جمعُ كَيِّسٍ وهو الرَّجُلُ الفَطِنُ، حسَنُ الفَهْمِ والسُّلوكِ؛ فأعقَلُ النَّاسِ هو الَّذي يَرى الأمورَ على حَقيقتِها، فلا تَخدَعُه المظاهِرُ ولا تُلْهيه السَّفاسِفُ عن إداركِ الحقائقِ، فهو يَرى الدُّنيا على حقيقتِها، دارَ ابتِلاءٍ وامْتِحانٍ، كما قال تَعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: 2]، وغايَتُها أن تَكونَ قَنْطَرةً يَعبُرُ عليها إلى الدَّارِ الآخِرةِ، ومَرحَلةُ يتَزوَّدُ الإنسانُ منها إلى الآخِرَةِ، ولأنَّ مَن صدَقَ في ذِكْرِه للمَوتِ فرَّ إلى اللهِ ومَن صدَق فِرارُه إلى اللهِ، صدَقَت توبتُه وإنابتُه إلى ربِّه، وصدَق في سَيرِه وهَدْيِه على صراطِ اللهِ حتَّى يَلْقى اللهَ تبارك وتعالى.