باب عقل المرأة على عصبتها، وميراثها لولدها 1
سنن ابن ماجه
حدثنا إسحاق بن منصور، أخبرنا يزيد بن هارون، أخبرنا محمد بن راشد، عن سليمان بن موسى، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه
عن جده، قال: قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعقل المرأة عصبتها من كانوا، ولا يرثوا منها شيئا إلا ما فضل عن ورثتها، وإن قتلت فعقلها بين ورثتها، وهم يقتلون قاتلها" (1).
الدِّيةُ هي المالُ المؤَدَّى إلى المجنيِّ عليه أو وَليِّه بسببِ الجنايةِ على النَّفسِ أو ما دُونَها. وفي هذا الحَديثِ بيانٌ لأنواعِ وقيمةِ الدِّياتِ الَّتي تُدفَعُ في القتلِ الخطَأِ مِن الإبلِ أو البقَرِ أو الغنمِ، أو القيمةِ الماليَّةِ، بحسَبِ اختلافِ المكانِ والزَّمانِ، وفيَه يُخبِرُ عبدُ اللهِ بن عُمرَ رَضِي اللهُ عَنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قال: "مَن قُتِل خطَأً فدِيتُه مائةٌ مِن الإبلِ"، أي: مَن وقع عليه القتلُ بطريقِ الخطأِ، فتُدفَعُ دِيَتُه مائةٌ مِن الإبلِ، وذلك إذا دُفِعَت من الإبلِ، وتَقسيمُها يكونُ كالتالي: "ثَلاثون بِنتَ مَخاضٍ"، والمخاضُ: النَّاقةُ الحاملُ، وبِنتُها: هي الَّتي أتَت عليها سنَةٌ، ودخَلَت عليها الثَّانيةُ، وحمَلَت أمُّها، "وثلاثون بنتَ لَبُونٍ"، وهي النَّاقةُ الَّتي دخَلَت في السَّنةِ الثَّالثةِ، سُمِّيَت بذلك؛ لأنَّ أمَّها ولَدَت غيرَها، فصارَ لها لبَنٌ، والذَّكَرُ ابنُ لَبونٍ، "وثلاثون حِقَّةً"، وهي النَّاقةُ الَّتي أتَتْ عليها ثَلاثُ سِنينَ، ودخَلَتْ في الرَّابعةِ، وتَحمَّلَتِ الفَحلَ، "وعَشْرةُ بَني لَبونٍ ذُكورٍ". قال عبدُ اللهِ بن عُمرَ رَضِي اللهُ عَنهما: "وكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يُقوِّمُها"، أي: يُحدِّدُها بما يُعادِلُها في الأموالِ الأخرى، "على أهلِ القُرى"، أي: يَجعَلُ قيمتَها عليهم، والمرادُ بهم: مَن لا يَملِكون بَهائمَ، "أربَعَ مِئةِ دينارٍ، أو عِدْلَها مِن الوَرِقِ"، أي: أربعَ مِئةِ دِينارٍ مِن الذَّهبِ، أو بما يُساويها مِن الفِضَّةِ، والمرادُ الدَّراهمُ، "ويُقوِّمُها على أهلِ الإبلِ"، أي: الَّذين يَملِكون الإبِلَ، وتَكونُ أموالُهم فيها، "إذا غَلَت"، أي: زادَت وارتفَع ثَمنُها، "رفَع في قيمَتِها"، أي: رفَع النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم دِيَةَ أهلِ القُرى بالدَّنانيرِ بما يُعادِلُ غُلوَّها في ذلك الزَّمنِ، "وإذا هانَت"، أي: رَخُص ثَمنُها، "نقَص مِن قيمتِها"، أي: خفَض فيما يُعادِلُها مِن الدَّنانيرِ، "على نحوِ الزَّمانِ ما كان"، أي: بما يتَناسَبُ مع سِعرِها في كلِّ زمانٍ يَخفِضُ ويَرفَعُ فيها النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم الدِّيَةَ بالدَّنانيرِ الذَّهبيَّةِ، قال عبدُ اللهِ: "فبلَغ قيمتُها"، أي: أقصى ما بلَغَت، "على عهدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ما بينَ الأربَعِ مِئةِ دينارٍ إلى ثَمانِ مِئةِ دينارٍ"، مِن الذَّهبِ، "أو عِدْلَها" وما يُساوِيها "مِن الوَرِقِ". ... قال عبدُ اللهِ رَضِي اللهُ عَنه: "وقضى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: أنَّ مَن كان عَقْلُه في البقَرِ على أهلِ البقَرِ"، أي: وإذا كانتْ دِيَتُه ستُدفَعُ مِن البقرِ لِمَن يَملِكُ البقَرَ، فقَدْرُها يكون: "مِئتي بقَرةٍ، ومَن كان عَقلُه في الشَّاةِ"، أي: وإن كانت دِيَتُه ستُدفَعُ بالغنَمِ، فقَدرُها يكونُ: "ألْفَيْ شاةٍ". والمعنى: أنَّه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم وسَّع على القاتِلِ وأوليائِه، حيثُ لم يُلزِمْهم بدَفعِ العَقلِ مِن الإبلِ فقط، بل جَوَّز العقْلَ في البقَرِ والشَّاءِ؛ فمَن لم يَكُنْ له إبِلٌ وكانتْ له بقَرٌ، أدَّى العَقْلَ مِنها، وهي مِئتَا بقَرةٍ، ومن لم يكُنْ له إبلٌ وكانت له شَاءٌ، أدَّى العقْلَ مِنها، ومِقْدارُها ألْفَا شاةٍ. ... قال عبدُ اللهِ: "وقَضى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: أنَّ العقْلَ ميراثٌ"، أي: تكونُ الدِّيَةُ وتُوزَّعُ، "بينَ ورَثةِ القتيلِ على فَرائضِهم"، أي: بالمقدارِ الَّذي حدَّده الشَّارعُ لكلِّ نَصيبِ وارثٍ فيهم، "فما فضَل"، أي: بَقي من تلك الدِّيَةِ بعدَ تَوزيعِها على الورَثةِ، "فلِلعَصَبةِ"، أي: لأقاربِ القَتيلِ وأوليائِه الذُّكورِ الَّذين ليسَتْ لهم فَريضةٌ، وَقَد استَعمل الفقهاءُ العَصَبَةَ في الواحدِ، إذا لم يَكُنْ غيرُه؛ لأنَّه قام مَقامَ الجَماعةِ في إحرازِ جَميعِ المالِ، والشَّرعُ جعَل الأُنثى عَصبَةً في مسألةِ الإعتاقِ، وفي مَسألةٍ مِن المواريثِ. قال عبدُ اللهِ رَضِي اللهُ عَنه: "وقضَى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: أنْ يَعقِلَ على المرأةِ"، أي: إنَّ الَّذي يَدفَعُ دِيةَ المرأةِ إذا كانت قاتِلةً، "عَصَبتُها مَن كانوا"، أي: تُوزَّعُ على القَريبِين منها والبَعيدين، وعَصَبةُ المرأةِ: ذَوو أَرحامِها مِن الرِّجالِ، "ولا يَرِثون منه شيئًا"، أي: وليس لهم مِن مِيراثِ مالِها وتَرِكَتِها ودِيَتِها شيءٌ إذا كانتْ هي المقتولةَ، "إلَّا ما فضَل عن ورَثتِها"، أي: لهم أن يَأخُذوا ما تبَقَّى مِن الورَثةِ بعدَ تمامِ فُروضِهم الشَّرعيَّةِ؛ وذلك حتَّى لا يتَوهَّمَ العَصَبةُ أنَّهم إذا كانوا هم الدَّافِعين للدِّيةِ في حالِ كَونِها قاتِلَةً فيَحسَبون أنَّهم ورَثتُها في حالةِ إذا كانَت مَقتولةً، فنفى ذلك رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "وإن قُتِلَت"، وإنْ كانت المرأةُ مقتولةً خطَأً، "فعَقْلُها بين ورَثتِها"، أي: ودِيَتُها تَكونُ بينَ الورَثةِ أصحابِ الفُروضِ على قَدْرِ مِيراثِهم، وليس للعصَبةِ، "وهم يَقتُلون قاتِلَها"، أي: وإنْ قُتِلَتْ عَمدًا فالورثةُ هم مَن يَطلُبون بدَمِها لا العَصَبةُ، والمرادُ: أنَّ القِصاصَ حقٌّ للورَثةِ في حالةِ القتلِ العمدِ، فإنْ شاؤوا اقتَصُّوا، وإنْ شاؤوا عفَوْا، ولا حَقَّ في ذلك لغيرِهم مِن الأقاربِ، كالعصَباتِ.