باب عقل المرأة على عصبتها، وميراثها لولدها 2
سنن ابن ماجه
حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا المعلى بن أسد، حدثنا عبد الواحد ابن زياد، حدثنا مجالد، عن الشعبي
عن جابر، قال: جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الدية على عاقلة القاتلة. فقالت عاقلة المقتولة: يا رسول الله، ميراثها لنا، قال: "لا. ميراثها لزوجها وولدها" (2).
شَرَعَ اللهُ عزَّ وجلَّ القِصاصَ والدِّياتِ؛ تَعويضًا عن الضَّررِ الَّذي يُلْحِقُه إنسانٌ بآخَرَ، فمَنْ أَتْلَف جزءًا مِن جِسْمِ أخيه، فإمَّا أنْ يُقْتَصَّ مِنْه بإتلافِ نَفْسِ الجزءِ مِنْه أو بدَفْعِ مالٍ تعويضًا وجبرًا لِما أتلَفَه، وقد حدَّدَ الشَّرعُ أمورَ القِصاصِ والدِّياتِ، وحَدَّدَ أنواعَ القَتْلِ ومَنْ يَدْفَعُ الدِّياتِ ومَن يَرِثُها.
وفي هذا الحديثِ يُخبرُ جابرُ بنُ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهما: "أنَّ امرَأَتينِ مِنْ هُذيلٍ قَتَلتْ إحْداهُما الأُخْرى"، وهُذيلٌ: قبيلةٌ مِنْ قَبائلِ العَرَبِ، "ولكلِّ واحِدةٍ مِنْهما"، أي: للمَرْأَتَيْنِ، زَوْجٌ ووَلَدٌ"، إشارةٌ إلى ما لها مِنَ الوَرَثَةِ، "فجَعَلَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دِيَةَ المقتولةِ على عاقِلَةِ القاتِلَةِ"، وهذا يدلُّ على أنَّ القتلَ كان يُشبِهُ الخطأَ؛ لأنَّ الدِّيةَ جُعِلتْ على عاقلةِ القاتلةِ، والعاقِلَةُ: هم أقارِبُ الإنسانِ وأَهْلُه وعَصَبتُه مِنْ جِهَةِ الأبِ، "وبَرَّأَ زَوْجَها ووَلَدَها"، أي: بَرَّأَ زَوْجَ القاتِلَةِ وولَدَها ولَمْ يُكلِّفْهم بتَحمُّلٍ شيءٍ مِن الدِّيَةِ، وإنْ كانوا هم وَرَثَتَها، فقالتْ عاقِلَةُ المقتولةِ: "ميراثُها لنا؟"، أي: نَحْنُ أَهْلُها ونَرِثُها ونَرِثُ دِيتَها المدفوعةَ فيها بمِثْلِ ما جُعِلَتْ دِيَةُ القاتِلَةِ على عاقِلَتِها وليس على وَرَثَتِها، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "لا، مِيراثُها لزَوْجِها ووَلَدِها"، أي: إنَّ مِيراثَ المرأةِ يكونُ لأصحابِ الفرائضِ وبوُجودِ الوَلَدِ والزَّوجِ يُحْجَبُ غيرُهم، ويكونونَ هم الوارِثينَ.
وفي الحديثِ: بيانُ أنَّ الولدَ ليس مِن العاقلةِ.
وفيه: بَيانُ أنَّ الدِّيَةَ يَرِثُها أصحابُ الفَرائضِ، وتُقْسَمُ قِسْمَةَ الميراثِ، وليس للعاقِلَةِ مِنْها شيءٌ، إلَّا ما فَضَل عن أصحابِ الفُروضِ.