باب في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر 9

بطاقات دعوية

باب في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر 9

عن أبي سعيد الحسن البصري: أن عائذ بن عمرو - رضي الله عنه - دخل على عبيد الله بن زياد، فقال: أي بني، إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن شر الرعاء الحطمة (1)» فإياك أن تكون منهم، فقال له: اجلس فإنما أنت من نخالة أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - فقال: وهل كانت لهم نخالة إنما كانت النخالة بعدهم وفي غيرهم. رواه مسلم. (2)

في هذا الحديث يروي التابعي الحسن البصري أن الصحابي عائذ بن عمرو رضي الله عنه دخل على عبيد الله بن زياد، وكان واليا وأميرا من الأمراء، وكأنه عرف فيه ظلما، فذهب إليه هذا الصحابي عائذ بن عمرو رضي الله عنه ينصحه ويعظه، فقال رضي الله عنه: «أي بني»، وهذا من التودد إليه وملاطفته حتى يمهد للنصيحة، «إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن شر الرعاء» جمع راع، وهو الوالي، «الحطمة» وهو من يظلم الرعية ولا يرحمهم؛ فهو يقسو ويشتد على رعيته، مبتعدا عن الرفق والحكمة فيهم، ثم قال عائذ رضي الله عنه لعبيد الله: «فإياك أن تكون منهم»، أي: أحذرك أن تكون من هؤلاء الحطمة، فقال له عبيد الله: «اجلس»، ولعله كان قائما حينما وعظه، «فإنما أنت من نخالة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم»، أي: أنت من سفلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولست من فضلائهم وخيارهم، والنخالة: ما يبقى من قشور الحنطة وغيرها بعد غربلة الدقيق؛ أراد بذلك تنقيصه، وذمه، وتصغيره، وهذه جراءة واعتداء على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
فقال عائذ رضي الله عنه ردا لقول زياد: «وهل كانت لهم نخالة؟!» وهذا الاستفهام إنكاري؛ أي: ليست فيهم نخالة أصلا، «إنما النخالة بعدهم وفي غيرهم» أي: إنما جاء السقط والسفلة فيمن بعد الصحابة، وبعد موتهم وانقطاع آثارهم، وهذا من جزيل الكلام وفصيحه، وصدقه الذي ينقاد له كل مسلم؛ فإن الصحابة رضي الله عنهم كانوا صفوة الأمة وسادات الناس، وأفضل ممن بعدهم، وكلهم عدول قدوة
وفي الحديث: التنبيه لولاة الأمور على السعي في مصالح الرعية، والجهد في دفع ضررهم وما يشق عليهم من قول أو فعل، وعدم الغفلة عن أحوالهم
وفيه: بيان أنه ينبغي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن كان المأمور رئيس القوم وأميرهم يخاف بأسه؛ لأن هذا من الجهاد في سبيل الله عز وجل