باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم

بطاقات دعوية

باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم

 حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم ثم يجىء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادة»

فاضل النبي صلى الله عليه وسلم بين المسلمين على أساس قوة التدين وقوة الإيمان، كما فاضل في أحاديث متعددة بين أصحابه رضي الله عنهم وغيرهم، وفي هذا الحديث بيان جلي لفضل الصحابة رضي الله عنهم وفضل التابعين وتابعيهم، وفيه يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الناس خير» من غيرهم أو أفضل منهم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم موضحا أن أفضل الناس هم أهل زمانه ومن عاصر النبوة، وهم الصحابة رضي الله عنهم، والمراد بالقرن: أهل زمان واحد، ثم القرن الذي يكون بعد الصحابة، وهم التابعون، ثم القرن الذي يلي التابعين، وهم أتباع التابعين؛ فالصحابة هم أفضل المسلمين؛ لأنهم عاصروا النبي صلى الله عليه وسلم ووضح لهم أمور الدين وأخذوه عنه مباشرة، فهم أفضل الناس علما بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ومقاصد التشريع، وعلى أيديهم تم نشر الدين في الفتوحات والغزوات، ثم أخذ التابعون العلم منهم وتابعوا مسيرة الجهاد، وهكذا إلى أن يتباعد الزمان عن زمان النبوة، فيبعدون عن الهدي والسنة وصحيح الدين شيئا فشيئا. ثم يأتي زمان يتهاون فيه الناس في أمر الدين بعد أن كانوا يخافون من الشبهات، فتسبق شهادة أحدهم يمينه، ويسبق يمينه شهادته، وهذا كناية عن كثرة شهادة الزور واليمين، فيشهدون دون أن تطلب منهم الشهادة؛ استهتارا وليس من باب الحرص على إيصال الحقوق لأصحابها، وكذلك يقسمون بالأيمان مثل الشهادة دون أن يطلب منهم الأيمان
وهذا يبدو مخالفا في الظاهر للحديث الآخر عند ابن ماجه: «خير الشهود من أدى شهادته قبل أن يسألها»، والجمع بينهما إما بأن يحمل الذم على من بادر بالشهادة في حق من هو عالم بها قبل أن سألها صاحبها، ويكون المدح لمن كانت عنده شهادة لأحد لا يعلم بها، فيخبره ليستشهد به عند القاضي، أو يحمل الذم على الشهادة الباطلة التي هي شهادة الزور، أما المبادرة إلى الشهادة الصحيحة من أجل إظهار الحق، وإعانة المظلوم، ودفع الظلم عنه، فإنها عمل صالح يؤجر ويثاب عليه صاحبه، والأحاديث يفسر بعضها بعضا
وذكر إبراهيم النخعي -راوي الحديث-: وكان أصحابنا ينهوننا -وفي رواية للبخاري: «يضربوننا»- وهم صغار أن نحلف بالشهادة والعهد، يريد: أشهد الله، وعلى عهد الله؛ لأنهما يمينان مغلظان، وهذا مما لا يستوجب في حقهما أن يكونا عرضة وعادة للحالف، ووجه النهي عنهما كما ذكر أن قوله: أشهد بالله، يقتضي معنى العلم بالقطع، وعهد الله لا يقدر أحد على التزامه بما يجب فيه
وفي الحديث: إشارة إلى لزوم اتباع سبيل القرون الثلاثة الأولى؛ فإن من قرب زمنه من زمن النبوة فهو أولى بالفضل والعلم والتأسي والاقتداء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم
وفيه: ذم التساهل في أمور الشهادات والأيمان