باب فضل نشر العلم
حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة حدثنى عمر بن سليمان - من ولد عمر بن الخطاب - عن عبد الرحمن بن أبان عن أبيه عن زيد بن ثابت قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول « نضر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ورب حامل فقه ليس بفقيه ».
حث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على تبليغ دعوة الحق إلى الناس ونقل سنته إلى من بعدهم حتى ينتشر الدين، كما أمر بالتناصح بين المسلمين وولاة الأمور من الحكام والولاة
وفي هذا الحديث يقول جبير بن مطعم رضي الله عنه: "قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخيف من منى"، أي: خطيبا، وكان ذلك في حجة الوداع، والخيف: كل ما انحدر من الجبل، وارتفع عن المسيل، ومنى: واد قرب الحرم المكي ينزله الحجاج ليرموا فيه الجمار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "نضر الله"، من النضارة، وهي الحسن والرونق، وهذا دعاء أن يحسن الله خلقه ويرفع قدره "امرأ"، أي: شخصا أيا كان من الصحابة الكرام ومن سمع منهم، والأمر على الإطلاق حتى إلى يومنا هذا، "سمع مقالتي"، أي: كلاما قوليا عن النبي صلى الله عليه وسلم أو فعلا أو تقريرا "فبلغها"، أي: نقلها إلى غيره كما سمعه، وفي رواية: "فحفظه"، أي: فاستوعبه بعقله وقلبه، وبقي حافظا له؛ "فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه"، و(رب) تستعمل للتقليل والتكثير، والمعنى: فكثيرا أو قليلا ما يكون الراوي السامع ليس عالما ولا فقيها، ولكنه يحفظ السنة وينقلها إلى غيره بمن فيهم العلماء والفقهاء الذين يستنبطون الأحكام
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ثلاث"، أي: ثلاث خصال، "لا يغل عليهن قلب مؤمن"، ويغل- بضم الياء- من الإغلال وهو الخيانة. وقيل: بفتحها، من الحقد، والمعنى: أن هذه الخلال الثلاث تصطلح بها القلوب؛ فمن تمسك بها طهر قلبه من الخيانة والشر، وأن المؤمن لا يخون في هذه الثلاثة ولا يدخل في نفسه حاجة تبعده عن الحق. وأولى تلك الخصال: "إخلاص العمل لله"، أي: بأن يقصد بالعمل وجه الله، ورضاه فقط، دون غرض آخر دنيوي. الثانية: "والنصيحة لولاة المسلمين"، والنصيحة هي إرادة الخير للمنصوح له، ونصحية الولاة والأئمة: أن يطيعهم في الحق، ولا يرى الخروج عليهم إذا جاروا ما داموا لم يظهروا كفرا بواحا، ونصيحة عامة المسلمين إرشادهم إلى مصالحهم. الثالثة: "ولزوم جماعتهم"، أي: موافقتهم في الاعتقاد، والعمل الصالح؛ من صلاة الجمعة، والجماعة، وغير ذلك؛ "فإن دعوتهم تحيط من ورائهم"، والمعنى أن دعوة المسلمين محيطة بهم، فتحرسهم من كيد الشياطين، ومن الضلالة، وفيه تنبيه على أن من خرج من جماعتهم لم ينل بركتهم، وبركة دعائهم؛ لأنه خارج عما أحاطت بهم من ورائهم
وفي الحديث: الحث على حفظ السنة النبوية، وتبليغها للناس
وفيه: بيان فضل العلماء
وفيه: الأمر بالتناصح بين المسلمين ولزوم الجماعة، وعدم الخروج على الحكام