باب فى الاستعاذة
حدثنا عثمان بن أبى شيبة حدثنا وكيع حدثنا إسرائيل عن أبى إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عمر بن الخطاب قال كان النبى -صلى الله عليه وسلم- يتعوذ من خمس من الجبن والبخل وسوء العمر وفتنة الصدر وعذاب القبر.
أمر الله تعالى عباده بالدعاء وضمن لهم الإجابة، كما في قوله: {ادعوني أستجب لكم} [غافر: 60]، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث أصحابه رضي الله عنهم على التوجه والتضرع إلى الله بالدعاء؛ فهو وحده القادر على الإجابة
وفي هذا الحديث يروي سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلم الصحابة رضي الله عنهم هذا الدعاء كما تعلم الكتابة بحيث يكون محفوظا ولا ينسى مع إتقانه تماما، وهذا الدعاء هو: «اللهم إني أعوذ بك»، أي: ألجأ وأحتمي بك «من البخل» وهو أن يمنع الإنسان ما يجب عليه فلا يؤديه. ويتعوذ من الجبن، وهو المهابة للأشياء، والتأخر عن فعلها، وهو ضد الشجاعة. وتعوذه صلى الله عليه وسلم من الجبن والبخل؛ لما فيهما من التقصير عن أداء الواجبات والقيام بحقوق الله سبحانه وتعالى، وإزالة المنكر، ولأنه بشجاعة النفس وقوتها المعتدلة تتم العبادات، ويقوم بنصر المظلوم، وبالسلامة من البخل يقوم بحقوق المال، وينبعث للإنفاق والجود ولمكارم الأخلاق، ويمتنع من الطمع فيما ليس له
وعلمنا أن نتعوذ من أرذل العمر، وهو كبر السن المؤدي إلى ضعف القوى، وسبب استعاذة النبي صلى الله عليه وسلم منه: ما فيه من الخرف واختلال العقل والحواس والضبط والفهم، وتشويه بعض المناظر، والعجز عن كثير من الطاعات والتساهل في بعضها
وعلمنا أيضا أن نتعوذ بالله من فتنة الدنيا، والفتنة: هي الاختبار والامتحان، وهي أن يبيع الآخرة بما يتعجله في الدنيا من حال أو مال، وقيل: فتنة الدنيا هي الدجال؛ لأن فتنة المسيح الدجال من أعظم الفتن وأخطرها؛ ولذلك حذرت الأنبياء جميعا أممها من شره وفتنته، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ من فتنته في كل صلاة، وبين أن فتنته من أكبر الفتن منذ خلق الله آدم عليه السلام إلى قيام الساعة
وأخيرا علمنا أن نتعوذ بالله من عذاب القبر، أي: من فتنته والعقوبة التي تقع على الميت بداخله، ويشمل الاستعاذة من الأسباب التي تؤدي إلى ذلك
واستعاذته صلى الله عليه وسلم من هذه الأشياء؛ لتكمل صفاته في كل أحواله، وأيضا لتعليم أمته؛ فإنه صلى الله عليه وسلم معصوم من كل ما يشين، وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر
وفي الحديث: إثبات عذاب القبر وفتنته
وفيه: بيان حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تعليم الناس جوامع الدعاء بما فيه نفعهم وصلاح دينهم ودنياهم وآخرتهم