باب فى الخلفاء
حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا عبد الرزاق - قال محمد كتبته من كتابه - قال أخبرنا معمر عن الزهرى عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال كان أبو هريرة يحدث أن رجلا أتى إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال إنى أرى الليلة ظلة ينطف منها السمن والعسل فأرى الناس يتكففون بأيديهم فالمستكثر والمستقل وأرى سببا واصلا من السماء إلى الأرض فأراك يا رسول الله أخذت به فعلوت به ثم أخذ به رجل آخر فعلا به ثم أخذ به رجل آخر فعلا به ثم أخذ به رجل آخر فانقطع ثم وصل فعلا به. قال أبو بكر بأبى وأمى لتدعنى فلأعبرنها . فقال « اعبرها ». قال أما الظلة فظلة الإسلام وأما ما ينطف من السمن والعسل فهو القرآن لينه وحلاوته وأما المستكثر والمستقل فهو المستكثر من القرآن والمستقل منه وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فهو الحق الذى أنت عليه تأخذ به فيعليك الله ثم يأخذ به بعدك رجل فيعلو به ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو به ثم يأخذ به رجل آخر فينقطع ثم يوصل له فيعلو به أى رسول الله لتحدثنى أصبت أم أخطأت. فقال « أصبت بعضا وأخطأت بعضا ». فقال أقسمت يا رسول الله لتحدثنى ما الذى أخطأت. فقال النبى -صلى الله عليه وسلم- « لا تقسم ».
من رحمة الله بالمؤمنين أنه يبشرهم ويعطيهم البشرى بإرهاصات مثل الرؤيا الصادقة في المنام؛ فرؤيا المؤمن جزء من أجزاء النبوة
وفي هذا الحديث يخبر عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره أنه رأى في منامه سحابة لها ظلة، وكل ما أظل من سقيفة ونحوها يسمى ظلة، «تنطف»، أي: يقطر منها السمن والعسل، وأنه رأى الناس يأخذون منها بأكفهم، وكان منهم المستكثر الذي يأخذ كثيرا، ومنهم المستقل في الأخذ مما تقطر، فيأخذ قليلا، ثم أخبر أنه رأى سببا -وهو الحبل- واصلا من الأرض إلى السماء، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم قد أخذ بهذا الحبل وأمسك به، فارتفع، ثم أمسك به رجل آخر فارتفع أيضا، ثم أمسك به رجل آخر فارتفع أيضا، ثم أمسك به رجل آخر، فانقطع ثم وصل
فلما سمع أبو بكر رضي الله عنه هذه الرؤيا، طلب من النبي صلى الله عليه وسلم وأقسم عليه أن يتركه يؤولها ويفسرها، وقوله: «بأبي أنت»، أي: أفديك بأبي، فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم في تفسيرها، ففسرها أبو بكر رضي الله عنه بأن الظلة الإسلام، والذي يقطر من العسل والسمن القرآن؛ حلاوته تقطر، والناس بين مستزيد منه ومقل، وأما الحبل الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الذي عليه النبي صلى الله عليه وسلم، يأخذ به النبي صلى الله عليه وسلم فيعليه الله به، ثم يأخذ به رجل من بعد النبي صلى الله عليه وسلم فيعلو به، ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو به، ثم يأخذ به رجل آخر فينقطع به، ثم يوصل له، فيعلو به، هكذا فسرها أبو بكر رضي الله عنه على وجه العموم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أصبت بعضا وأخطأت بعضا»، فأقسم أبو بكر رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم أن يخبره بالذي أخطأ فيه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تقسم»، ولم يخبره صلى الله عليه وسلم، فالله أعلم بما أصاب وبما أخطأ
والعلماء فسروا هذه الرؤيا بأنها كانت إشارة إلى تولي الخلفاء الراشدين من بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الرجل الأول الذي أخذ بالحبل وارتفع هو أبو بكر رضي الله عنه، ثم جاء من بعده عمر رضي الله عنه، فأخذ الحبل وارتفع به، ثم جاء الثالث فأخذ الحبل وانقطع به، ثم وصل مرة أخرى، وكان ذلك إشارة إلى أن عثمان بن عفان رضي الله عنه كاد أن ينقطع به الحبل عن اللحوق بصاحبيه بسبب ما وقع له من فتن، فعبر عنها بانقطاع الحبل، ثم وقعت له الشهادة فاتصل بهم، فعبر عنه بأن الحبل وصل له فاتصل، فالتحق بهم
وفي الحديث: سكوت العالم عن تعبير بعض الرؤيا إذا خشي منها فتنة على الناس أو غما
وفيه: عدم إبرار القسم إذا كان فيه ضرر