( حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ ) : هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ لَا اسْمَ لَهُ غَيْرُهَا ، وَيُقَالُ اسْمُهُ عَامِرٌ كُوفِيٌّ ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ الثَّالِثَةِ ، وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ سَمَاعُهُ مِنْ أَبِيهِ ( صَرِيعٌ ) : أَيْ مَقْتُولٌ ( قَدْ ضُرِبَتْ ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ ( رِجْلُهُ ) : حَالٌ أَوْ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ صَرِيعٌ ( قَدْ أَخْزَى اللَّهُ الْأَخِرَ ) : بِوَزْنِ الْكَبِدِ أَيِ الْأَبْعَدَ الْمُتَأَخِّرَ عَنِ الْخَيْرِ ، وَقِيلَ هُوَ بِمَعْنَى الْأَرْذَلِ ، وَقِيلَ بِمَعْنَى اللَّئِيمِ ، وَقَوْلُهُ الْأَخِرَ هُوَ مَفْعُولُ أَخْزَى الْمُرَادُ بِهِ أَبُو جَهْلٍ ( قَالَ ) : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ ( وَلَا أَهَابُهُ ) : أَيْ وَلَا أَخَافُ أَبَا جَهْلٍ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لِأَنَّهُ مَجْرُوحُ الرِّجْلِ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ قَالَ انْتَهَيْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَوْمَ بَدْرٍ وَهُوَ صَرِيعٌ وَهُوَ يَذُبُّ النَّاسَ عَنْهُ بِسَيْفٍ لَهُ فَجَعَلْتُ أَتَنَاوَلُهُ بِسَيْفٍ لِي غَيْرَ طَائِلٍ فَأَصَبْتُ يَدَهُ فَنَدَرَ سَيْفُهُ فَأَخَذْتُهُ فَضَرَبْتُهُ حَتَّى قَتَلْتُهُ ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَنَفَّلَنِي بِسَلَبِهِ انْتَهَى ( فَقَالَ أَبْعَدُ مِنْ رَجُلٍ قَتَلَهُ قَوْمُهُ ) : قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَهُوَ غَلَطٌ وَإِنَّمَا هُوَ أَعْمُدُ بِالْمِيمِ بَعْدَ الْعَيْنِ كَلِمَةٌ لِلْعَرَبِ مَعْنَاهَا كَأَنَّهُ يَقُولُ هَلْ زَادَ عَلَى رَجُلٍ قَتَلَهُ قَوْمُهُ يَهُونُ عَلَى نَفْسِهِ مَا حَلَّ بِهَا مِنْ هَلَاكٍ ، حَكَاهَا أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ مَعْمَرِ بْنِ الْمُثَنَّى ، وَأَنْشَدَ لِابْنِ مَيَّادَةَ :
وَأَعْمَدُ مِنْ قَوْمٍ كَفَاهُمْ أَخُوهُمْ صِدَامَ الْأَعَادِي حِينَ فَلَّتْ بُيُوتَهَا
يَقُولُ : هَلْ زَادَنَا عَلَى أَنْ كَفَيْنَا إِخْوَانَنَا انْتَهَى
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي مَادَّةِ بَعُدَ : أَيْ أَنْهَى وَأَبْلَغَ لِأَنَّ الشَّيْءَ الْمُتَنَاهِيَ فِي نَوْعِهِ يُقَالُ قَدْ أَبْعَدَ فِيهِ وَهَذَا أَمْرٌ بَعِيدٌ أَيْ لَا يَقَعُ مِثْلُهُ لِعِظَمِهِ يُرِيدُ أَنَّكَ اسْتَبْعَدْتَ قَتْلِي وَاسْتَعْظَمْتَ شَأْنِي فَهَلْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْ رَجُلٍ قَتَلَهُ قَوْمُهُ ، وَالصَّحِيحُ رِوَايَةُ " أَعْمُد " بِمِيمٍ انْتَهَى
وَقَالَ فِي مَادَّةِ عَمَدَ : أَيْ هَلْ زَادَ عَلَى رَجُلٍ قَتَلَهُ قَوْمُهُ وَهَلْ كَانَ إِلَّا هَذَا ، أَيْ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ بِعَارٍ
وَقِيلَ : أَعْمَدُ بِمَعْنَى أَعْجَبُ أَيْ أَعْجَبُ مِنْ رَجُلٍ قَتَلَهُ قَوْمُهُ
وَقِيلَ : أَعْمَدُ بِمَعْنَى أَغْضَبُ مِنْ قَوْلِهِمْ عَمِدَ عَلَيْهِ إِذَا غَضِبَ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَتَوَجَّعُ وَأَشْتَكِي مِنْ قَوْلِهِمْ عَمَدَنِي الْأَمْرُ فَعُمِدْتُ أَيْ أَوْجَعَنِي فَوُجِعْتُ
وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ كُلِّهِ أَنْ يَهُونَ عَلَى نَفْسِهِ مَا حَلَّ بِهِ مِنَ الْهَلَاكِ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِعَارٍ عَلَيْهِ أَنْ يَقْتُلَهُ قَوْمُهُ ( بِسَيْفٍ غَيْرِ طَائِلٍ ) : قَالَ الْخَطَّابِيُّ : أَيْ غَيْرِ مَاضٍ ، وَأَصْلُ الطَّائِلِ النَّفْعُ وَالْفَائِدَةُ انْتَهَى
وَفِي النِّهَايَةِ أَيْ غَيْرِ مَاضٍ وَلَا قَاطِعٍ كَأَنَّهُ كَانَ سَيْفًا دُونًا بَيْنَ السُّيُوفِ وَكَفَنٍّ غَيْرِ طَائِلٍ أَيْ غَيْرِ رَفِيعٍ وَلَا نَفِيسٍ ( فَلَمْ يَغْنِ ) : مِنْ بَابِ ضَرَبَ أَيْ لَمْ يَصْرِفْ وَلَمْ يَكُفَّ أَبُو جَهْلٍ عَنْ نَفْسِهِ ( شَيْئًا ) : مِنْ وَقْعَةِ السَّيْفِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ ضَرَبْتُهُ بِسَيْفٍ غَيْرِ قَاطِعٍ قَالَ فِي النِّهَايَةِ : أَغْنِ عَنِّي شَرَّكَ أَيِ اصْرِفْهُ وَكُفَّهُ
وَفِي حَدِيثِ عُثْمَانَ أَنَّ عَلِيًّا بُعِثَ إِلَيْهِ بِصَحِيفَةٍ فَقَالَ لِلرَّسُولِ أَغْنِهَا عَنَّا أَيِ اصْرِفْهَا وَكُفَّهَا
وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَنَا لَا أُغْنِي لَوْ كَانَتْ لِي مَنَعَةٌ أَيْ لَوْ كَانَ مَعِي مَنْ يَمْنَعُنِي لَكَفَيْتُ شَرَّهُمْ وَصَرَفْتُهُمْ انْتَهَى ( فَضَرَبْتُهُ بِهِ ) : أَيْ بِسَيْفِهِ ( حَتَّى بَرَدَ ) : أَيْ مَاتَ
وَأَصْلُ الْكَلِمَةِ مِنَ الثُّبُوتِ يُرِيدُ سُكُونَ الْمَوْتِ وَعَدَمَ حَرَكَةِ الْحَيَاةِ ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بَرَدَ لِي عَلَى فُلَانٍ حَقٌّ أَيْ ثَبَتَ وَفِيهِ أَنَّهُ قَدْ اسْتَعْمَلَ سِلَاحَهُ فِي قَتْلِهِ وَانْتَفَعَ بِهِ قَبْلَ الْقَسْمِ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مُخْتَصَرًا ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ