باب فى صوم العشر
حدثنا عثمان بن أبى شيبة حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن أبى صالح ومجاهد ومسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام ». يعنى أيام العشر. قالوا يا رسول الله ولا الجهاد فى سبيل الله قال « ولا الجهاد فى سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشىء ».
من رحمة الله عز وجل بعباده أن من عليهم بأيام مباركة، يضاعف لهم فيها الأجر، ويعطي فيها جزيل الثواب؛ رحمة منه وكرما، ومنها: الأيام العشر الأول من ذي الحجة
وفي هذا الحديث يرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى فضل العمل الصالح في العشر الأوائل من ذي الحجة، ويبين أن أجر العمل الصالح فيها يتضاعف ما لا يتضاعف في سائر الأيام؛ فعلى المسلم أن يغتنمها ويكثر فيها الطاعات، ومن أجل الطاعات فيها ذكر الله عز وجل، وأعظم الذكر قراءة القرآن، والتكبير والتهليل والتحميد، وفي مسند أحمد وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشر؛ فأكثروا فيهن من التهليل، والتكبير، والتحميد». ويشمل العمل الصالح الفرائض والواجبات وكل أعمال البر والمعروف وأعمال التطوع من العبادات؛ من صلاة وصدقة وصيام وبالأخص صيام يوم عرفة؛ فكل ما فعل من فرض في العشر فهو أفضل من فرض فعل في غيره، وكذا النفل في العشر أفضل من النفل في غيرها، كما يشمل أيضا ترك المنهيات والمنكرات؛ فمن ترك المعصية في هذه الأيام فلا شك أن أجره أفضل من تركه للمعصية في غيرها
فسأل الصحابة رضي الله عنهم النبي صلى الله عليه وسلم عن الجهاد في غير هذه الأيام العشر؛ هل العمل الصالح فيها يفضله أيضا؟ وإنما اختص سؤالهم عن الجهاد لما تقرر عندهم أنه من أفضل الأعمال؛ ولذلك وزن به أيام ذي الحجة، فأجاب النبي صلى الله عليه وسلم: نعم؛ يفضل العمل الصالح في هذه الأيام الجهاد في غيرها، إلا رجل خرج مخاطرا بنفسه وماله في سبيل الله، ففقد ماله وفاضت روحه في سبيل الله؛ فهذا الجهاد بهذه الصورة هو الذي يفضل على العمل الصالح في هذه الأيام المباركات، وهذا بيان لفخامة جهاده، وتعظيم له بأنه قد بلغ مبلغا لا يكاد يتفاوت بشرف الأيام والأزمان وعدم شرفها
وظاهر هذا الحديث أن هذه العشرة أفضل من العشر الأواخر من رمضان. وقيل: إن عشر ذي الحجة هي الأفضل أياما، وعشر رمضان هي أفضل ليالي؛ لوجود ليلة القدر فيها
وفي الحديث: بيان عظم فضل العشر الأوائل من ذي الحجة على غيرها من أيام السنة
وفيه: تعظيم أمر الشهادة في سبيل الله وبذل النفس والمال معا، وأن هذه هي أعلى مراتب الجهاد
وفيه: أن العمل المفضول في الوقت الفاضل يلتحق بالعمل الفاضل في غيره من الأوقات