باب فيما أنكرت الجهمية 19
سنن ابن ماجه
حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا عبد الله بن رجاء، حدثنا إسرائيل، عن عثمان -يعني ابن المغيرة الثقفي- عن سالم بن أبي الجعدعن جابر بن عبد الله، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرض نفسه على الناس في الموسم، فيقول: "ألا رجل يحملني إلى قومه، فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي" (1).
كانتِ العربُ يَحُجُّون بيتَ اللهِ زمَنَ الجاهليَّةِ، وقَبلَ مَبعَثِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بالرِّسالةِ، وقد كان مَوسِمُ الحجِّ مُناسِبًا لِتَبليغِ دعوةِ الحقِّ إلى كلِّ النَّاسِ المُجتمِعةِ فيه.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ جابرُ بنُ عبدِ اللهِ رَضِي اللهُ عنهما: "كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يَعرِضُ نفْسَه بالموقفِ"، وفي روايةٍ: "يَعرِضُ نفسَه على النَّاسِ في الموسِمِ"، أي: يَظهَرُ للحُجَّاجِ، فيَقولُ لهم: "ألَا رَجُلٌ يَحمِلُني إلى قَومِه"، أي: يُهاجِرُ به إلى قَومِه، فيُعْطونه مِن العِزَّةِ والمنَعةِ الَّتي يَقومُ معَها بأمرِ الدَّعوةِ وتَبْليغِ الرِّسالةِ؛ "فإنَّ قُريشًا قد منَعوني أن أُبَلِّغَ كلامَ ربِّي"، أي: وإنَّ قُريشًا وأكابِرَها لم يَقبَلوا الدَّعوةَ ومنَعوه مِن تَبليغِها إلى النَّاسِ بينَهم، وكان هذا هو السَّببَ في طلَبِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مِن الحَجيجِ أن يَحمِلوه ويُؤمِنوا به وبِرسالتِه، ثمَّ يَدْعوا قومَهم إلى الإيمانِ والقِيامِ بحمايةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ودعوتِه.
وفي رِوايةٍ: "فأَتاه رجُلٌ مِن هَمْدانَ، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: ممَّن أنت؟ فقال الرَّجلُ: مِن هَمْدانَ، قال: فهَل عِندَ قَومِك مِن منَعةٍ؟ قال: نعَم، ثمَّ إنَّ الرَّجُلَ خَشِي أنْ يَخفِرَه قومُه، فأتَى رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم فقال: آتيهِم، فأُخبِرُهم، ثمَّ آتيك مِن عامِ قابِلٍ، قال: نعَم، فانطلَق، ثمَّ جاء وَفْدُ الأنصارِ في رجَبٍ"، أي: في شهرِ رجبٍ، وقَبلَ أن يأتِيَه الهَمْدانيُّ.
وفي الحديثِ: بيانُ ما كان مِن شدَّةِ الإيذاءِ الَّتي يَلْقاها النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في الدَّعوةِ إلى اللهِ تعالى.
وفيه: بيانُ ما كان عِندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مِن حِرصٍ على تَبليغِ الدَّعوةِ والأخْذِ بالأسبابِ.