باب: في ذكر المسيح بن مريم والمسيح الدجال
بطاقات دعوية
حديث عبد الله بن عمر، قال: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم يوما بين ظهري الناس [ص:40] المسيح الدجال، فقال: إن الله ليس بأعور، ألا إن المسيح الدجال أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية
أطلع الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم على بعض أمور الغيب، ومن ذلك ما أخبر به صلى الله عليه وسلم في وصف بعض أنبياء الله عز وجل، وكذا إخباره عن الدجال، وصفته، وما يكون منه
وفي هذا الحديث يخبر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر المسيح الدجال يوما وهو بين ظهراني الناس، أي: وهو جالس في وسط الناس، والمراد: أنه جلس بينهم مستظهرا لا مستخفيا
والمسيح الدجال، من الدجل، وهو التغطية؛ سمي به لأنه يغطي الحق بباطله، وقد سمي مسيحا؛ لأنه يمسح الأرض، أو لأنه ممسوح العين؛ لأنه أعور، أو لسياحته ودخوله بلدا من البلدان يصيب أهلها بالرعب والخوف والفزع، وهو الذي يظهر في آخر الزمان ويدعي الألوهية، وهو شخص من بني آدم، وظهوره من العلامات الكبرى ليوم القيامة، يبتلي الله به عباده، وأقدره على أشياء من مقدورات الله تعالى؛ من إحياء الميت الذي يقتله، ومن ظهور زهرة الدنيا والخصب معه، وجنته وناره، واتباع كنوز الأرض له، وأمره السماء أن تمطر فتمطر، والأرض أن تنبت فتنبت، فيقع كل ذلك بقدرة الله تعالى ومشيئته، ويقتله نبي الله عيسى ابن مريم عليه السلام
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليس بأعور»؛ لأنها صفة نقص ولا تليق به سبحانه، والأعور هو من ذهبت إحدى عينيه ويبصر بواحدة، ألا إن المسيح الدجال أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية، أي: بارزة عن مثيلتها، أو ذهب نورها. وتلك علامة ظاهرة عليه يتعرف بها المسلم عليه إذا ظهر في زمانه.
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في منامه -ورؤيا الأنبياء حق ووحي من الله عز وجل- أنه عند الكعبة، وقد رأى رجلا آدم، أي: أسمر، كأحسن ما يرى من الرجال المتصفين بالسمرة، «تضرب لمته بين منكبيه»: واللمة: هي الشعر إذا جاوز شحم الأذنين، والمنكب هو أعلى الظهر ما بين الكتف والعنق، «رجل الشعر»، أي: قد سرحه ودهنه، وقد كان رأسه يقطر ماء، وكان واضعا يديه على منكبي رجلين وهو يطوف بالبيت الحرام. فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنه: من يكون؟ -ويحتمل سؤاله صلى الله عليه وسلم كان لجبريل أو أحد الملائكة عليهم السلام- فأخبر أنه المسيح عيسى عليه السلام. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم عن أكثر من واحد من الصحابة في الصحيحين وغيرهما أنه قال في وصف عيسى: إنه أحمر، وهذا يدل على أن ابن عمر رضي الله عنهما أخطأ في حفظه، ويجوز أن يتأول الأحمر على الآدم، ولا يكون المراد حقيقة الأدمة والحمرة، بل ما قاربها
ثم رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا وراءه «جعدا قططا»، أي: شديد جعودة الشعر، أعور العين اليمنى، وشبهه النبي صلى الله عليه وسلم بابن قطن، وهو عبد العزى بن قطن بن عمرو الخزاعي، وأمه هالة بنت خويلد أخت خديجة رضي الله عنها، وقد مات في الجاهلية. وكان هذا الرجل واضعا يديه على منكبي رجل يطوف بالبيت، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنه: من يكون؟ فأخبر بأنه المسيح الدجال. ولا يعني هذا أن الدجال سيدخل مكة ويطوف بالبيت حقيقة؛ فهذه رؤيا منام، وكون رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم وحيا وحقا، لا يلزم منه أن تكون دوما على ظاهرها؛ فقد تأتي أحيانا على سبيل ضرب الأمثال، أو تأتي ولها تعبير وتأويل وليست على ظاهرها. وقيل: إن المنع من دخول الدجال مكة سيكون بعد ظهور فتنته، أما قبلها أو في الزمن الماضي فلا يوجد من نصوص الشرع ما يدل على منعه من دخولها
وفي الحديث: علم النبي صلى الله عليه وسلم بالمسيح الدجال وإخباره بصفته
وفيه: تشبيه النبي صلى الله عليه وسلم بعض الرجال ببعض؛ لتقريب الوصف إلى الأذهان