باب في عيادة المرضى
بطاقات دعوية
عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أنه قال كنا جلوسا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه رجل من الأنصار فسلم عليه ثم أدبر الأنصاري فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا أخا الأنصار كيف أخي سعد بن عبادة فقال صالح فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من يعوده منكم فقام وقمنا معه ونحن بضعة عشر ما علينا نعال ولا خفاف ولا قلانس ولا قمص نمشي في تلك السباخ (1) حتى جئناه فاستأخر قومه من حوله حتى دنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الذين معه. (م 3/ 40
في هذا الحديثِ تَعليمٌ منَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم لأُمَّتِه، وحِرصٌ مِنه عَلى إنشاءِ عَلاقاتٍ طيِّبةٍ بيْن المُسلمينَ بالزِّيارةِ والتَّواصلِ، وخاصَّةً زِيارةَ المَرضى؛ فيَرْوي عبدُ اللهِ بنُ عُمرَ رَضِي اللهُ عنهما أنَّ بعضَ الصَّحابةِ رَضِي اللهُ عنهم كانوا جالِسينَ معَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، وكانتْ هذه عادةَ الصَّحابةِ معَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم؛ أنَّهم يَجتمِعونَ حوْلَه لِيُعلِّمَهم ويُرشِدَهم، وَفي أَثناءِ هَذه الجِلسةِ، جاءَه رجلٌ منَ الأَنصارِ -وهم أهلُ المدينةِ- فسَلَّم ذلك الرَّجلُ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم وعَلى الحاضرينَ، وهذا مِن أَدبِ الإسلامِ في إلْقاءِ التَّحيَّةِ والسَّلامِ عَلى الجميعِ، ثُمَّ أراد الأَنصاريُّ أنْ يَنصرِفَ بعْدَ سَلامِه على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فَقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بأُسلوبٍ فيه استلطافٌ: «يا أَخا الأَنصارِ، كيفَ أَخي سعدُ بنُ عُبادةَ؟» وكان سعدٌ رَضِي اللهُ عنه سيِّدَ الخَزْرجِ، وكان سعدٌ حينئذٍ مَريضًا، وهذا مِن تَعليمِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم لِلمُسلمينَ بأنْ يَسألَ بعضُهم عنْ بعضٍ إذا غابوا وإذا مَرِضوا، وقَولُه: «يا أَخا الأَنصارِ» هوَ نِداءٌ بأُخوَّةِ الإسلامِ، ونِداءٌ للرَّجلِ بأنَّه مِنَ الأنصارِ، وتَشريفٌ لسَعدِ بنِ عُبادةَ حيثُ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: «أَخي»، فقال الرَّجلُ مُجيبًا عن سُؤالِه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: إنَّه «صالِحٌ»، أي: لا بأسَ به، فهو في قيْدِ الحياةِ، يُرْجى أنْ يَبرَأَ مِن مرَضِه. وهذا مِن الأدَبِ والاستبشارِ للمَريضِ بأنْ يُعافى ويَصحَّ.
فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم حاثًّا أصحابَه على زِيارتِه: «مَن يَعودُه مِنكم؟» وفي هذا تَعليمٌ عَمَليٌّ منَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم لِلمسلمينَ؛ فإنَّه قامَ مَع أَصحابِه لزِيارةِ سَعدِ بنِ عُبادةَ رَضِي اللهُ عنه، وكانوا بِضعةَ عشرَ، والبِضعُ: مِنَ الثَّلاثةِ إلى العَشرةِ، وَكان الحاضِرونَ مِن الصَّحابةِ في هذه الفَترةِ مِن ضِيقِ الحالِ والفَقرِ، حتَّى قالَ عبدُ اللهِ بنُ عمَرَ رَضِي اللهُ عنه: «ما عَلينا نِعالٌ» جمْعُ نَعلٍ، وهو الحِذاءُ، «وَلا خِفافٌ» جمْعُ خُفٍّ، وهو ما يُلبَسُ في القدَمِ مِن جِلدٍ رَقيقٍ، فليس لهم ما يَلبَسون في أقدامِهِم، «وَلا قَلانسُ» جمْعُ قَلَنْسوةٍ؛ شَيءٌ يُلبَسُ في الرَّأسِ، «وَلا قُمصٌ» جمْعُ قَميصٍ، ثَوْبٌ مَخيطٌ بكُمَّيْنِ غَيْرُ مُفرجٍ يُلْبَسُ تَحْتَ الثِّيَابِ، أَوْ لا يَكُونُ إلَّا مِن قُطْنٍ، أَو كَتَّانٍ، وظاهرُه أنَّهم كانوا يَلبَسون الإزارَ والرِّداءَ، وذَهَبوا إلى بيْتِ سعدِ بنِ عُبادةَ رَضِي اللهُ عنه وهم يمْشُون بأرجُلِهم «في تلكَ السِّباخِ» وهي الأرضُ الَّتي تَعلوها الملوحةُ ولا تَكادُ تُنبِتُ إلَّا بعضَ الشَّجرِ، يَعني: لا يَلبَسون شيئًا في أرجُلِهم يَقِيهم أذَى الأرضِ، فلمَّا جاءَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم إلى مَنزلِ سعدٍ رَضِي اللهُ عنه، قامَ قومُ سَعدٍ وأهلُه وعَشيرتُه مِن حَولِه؛ ليَتقدَّمَ إليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم وأصحابُه الَّذين جاؤوا لزِيارتِه؛ ليَكونوا أقرَبَ إِليه، وهذا مِن الأدبِ في الزِّيارةِ والإكرامِ للضَّيفِ.
وفي الحديثِ: السُّؤالُ عنِ الغائبِ والمَريضِ، وسُؤالُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عن أَصحابِه.
وفيه: الإرشادُ إلى زيارةِ المَرضى والتَّواصلِ مَعهم.
وفيه: بَيانُ رِقَّةِ حالِ بَعضِ الصَّحابةِ وفَقرِهم، وعدمِ تَكلُّفِهم في المَلبسِ والهيئَةِ.
وفيه: إِكرامُ الضَّيفِ عندَ الزِّيارةِ بتَوسعةِ المَكانِ له.
وفيه: المشيُ حافيًا لمَن ليس له حِذاءٌ.