باب في فضل أنس بن مالك - رضي الله عنه - 2
بطاقات دعوية
عن أنس - رضي الله عنه - قال مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسمعت أمي أم سليم صوته فقالت بأبي وأمي يا رسول الله أنيس فدعا لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث دعوات قد رأيت منها اثنتين في الدنيا وأنا أرجو الثالثة في الآخرة. (م 7/ 160
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُتواضعًا وقَريبًا مِن النَّاسِ، يَمْشي بيْنَ أصحابِه كأنَّه واحدٌ منهم، ويَجلِسُ بيْنهم، ويُعلِّمُهم أُمورَ الدِّينِ، ويَعِظُهم ويُرشِدُهم، وكانوا يَلتَمِسون أنْ تُصِيبَهم بعضُ بَركَتِه.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أنسُ بنُ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه عن دُعاءِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ له؛ حيثُ يَحكِي أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مرَّ بأهلِه وبِبُيوتِهم، فسَمِعَتْ أمُّ سُلَيْمٍ -وهي أمُّ أنسِ بنِ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنها- صوتَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عند مُرورِه بهم، فقالت له: «بأبي وأُمِّي، يا رَسولَ اللهِ»، أي: فِداكَ أبي وأُمِّي، تَعْظيمًا وإعْلاءً لقَدْرِه؛ لأنَّ الإنْسانَ لا يَفْدي إلَّا مَن يُعظِّمُه، فيَبذُلُ نفْسَه له، طالبةً أمُّ سُلَيمٍ رَضيَ اللهُ عنها بهذا القولِ الدُّعاءَ مِنه لِأَنَسٍ ابْنِها، وقولُها: «أُنَيْسٌ» اسْتِعْطافٌ منها لِرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأنْ يُلبِّيَ طَلبَها في دَعوتِه لِأَنَسٍ، فَدَعا له رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ثلاثَ دعواتٍ، وقدْ وَرَدت هذه الدَّعواتُ في الصَّحيحينِ عن أنسٍ رَضيَ اللهُ عنه: «فدَعا لي بكلِّ خَيرٍ، وكان في آخِرِ ما دَعا لي به أنْ قال: اللَّهُمَّ أكثِرْ مالَه ووَلَدَه، وبارِكْ له فيه»؛ فتلكَ اثنتانِ، أو يُحمَلُ على أنَّها واحدةٌ؛ لِما في رِوايةِ البُخاريِّ في الأدبِ المفْرَدِ: «اللَّهُمَّ أكثِرْ مالَه ووَلَدَه، وأطِلْ عُمرَه، واغفِرْ له»، فتلكَ هي الثَّلاثُ دَعواتٍ الَّتي دَعا بها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِأنسٍ رَضيَ اللهُ عنه؛ ولذلك يقولُ أَنَسٌ رَضيَ اللهُ عنه: «رأيتُ منها اثنتَيْنِ في الدُّنيا»، أي: استُجيبَ مِنَ الثَّلاثِ دَعْوَتانِ في الدُّنيا حتَّى رآهما أَنَسٌ، وهُما البركةُ في المالِ والولدِ، فقدْ ورَدَ عندَ مُسلمٍ: أنَّ أنَسًا رَضيَ اللهُ عنه قال: «فواللهِ إنَّ مالي لَكثيرٌ، وإنَّ وَلَدي ووَلدَ وَلَدي لَيَتعادُّونَ على نحْوِ المائةِ اليومَ»، وفي رِوايةِ البُخاريِّ: «فإنِّي لَمِن أكثَرِ الأنصارِ مالًا، وحَدَّثَتْني ابْنَتي أَمِينةُ: أنَّه دُفِنَ لِصُلْبي مَقْدَمَ حَجَّاجٍ البصرةَ بِضعٌ وعِشرون ومائةٌ»، وقيل: إنَّه رَضيَ اللهُ عنه عاش إلى عُمرِ مائةٍ وثلاثِ سِنينَ.
ثمَّ قال أنسٌ رَضيَ اللهُ عنه: «وأنا أَرْجو الثَّالثةَ في الآخِرَةِ»، أي: يَرْجو أنْ يَنالَ الدَّعوةَ الثَّالثةَ في الآخرةِ، وهي المغفرةُ الَّتي وَرَدت في روايةِ البخاريِّ في الأدبِ المفرَدِ، وبها تَتحقَّقُ الدَّعواتُ الثَّلاثُ الَّتي دعا بها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِأَنَسٍ.
وفي الحديثِ: فَضلٌ ومَنقبةٌ لأنسِ بنِ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه.
وفيه: إيثارُ الولدِ على النَّفسِ، وحُسنُ التَّلطُّفِ في السُّؤالِ.