باب في فضل عائشة رضي الله تعالى عنها

بطاقات دعوية

باب في فضل عائشة رضي الله تعالى عنها

حديث عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت علي غضبى قالت، فقلت: من أين تعرف ذلك فقال: أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين: لا، ورب محمد وإذا كنت غضبى، قلت: لا، ورب إبراهيم قالت قلت: أجل والله يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك

ضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أروع الأمثال للأخلاق والآداب والحب والوفاء مع الأهل، فكان خير الناس لأهله
وفي هذا الحديث تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت علي غضبى»، وذلك باستقراء الأحوال والقرائن، ويريد بالرضا والغضب ما يكون في العادة بين الرجل وزوجته، فسألته: من أي شيء تعرف كوني راضية عنك أو غير راضية: هل بالوحي أو هناك علامة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «أما إذا كنت عني راضية، فإنك تقولين» حال المحاورة معي: «لا ورب محمد»، أي: أنها تذكر اسمه صلى الله عليه وسلم صراحة حال قسمها بالله عز وجل، «وإذا كنت غضبى»، أي: غير راضية من أي وجه من الوجوه الدنيوية، «قلت» لي حال المحاورة معي: «لا ورب إبراهيم»، أي: أقسم وأحلف برب إبراهيم، وفي اختيار عائشة رضي الله عنها ذكر إبراهيم عليه الصلاة والسلام دون غيره
من الأنبياء: دلالة على مزيد فطنتها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أولى الناس به، كما نص عليه القرآن، فلما لم يكن لها بد من هجر الاسم الشريف أبدلته بمن هو منه
بسبيل؛ حتى لا تخرج عن دائرة التعلق في الجملة
فصدقت عائشة رضي الله عنها على ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، وطريقة قسمها في حال الرضا والغضب، ثم أقسمت بالله أنها ما تهجر ولا تترك إلا اسمه صلى الله عليه وسلم؛ لغضبها حال غيرتها، ولكن محبتها للنبي صلى الله عليه وسلم ثابتة لا تتغير بحال
والحصر في قولها: «ما أهجر إلا اسمك» في غاية من اللطف في الجواب؛ لأنها أخبرت أنها إذا كانت في غاية من الغضب الذي يسلب العاقل اختياره، لا يغيرها عن كمال المحبة المستغرقة ظاهرها وباطنها، الممتزجة بروحها. وإنما عبرت عن الترك بالهجران؛ لتدل به على أنها تتألم من هذا الترك الذي لا اختيار لها فيه
ومغاضبة عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم هي من الغيرة التي عفي عنها للنساء في كثير من الأحكام؛ لعدم انفكاكهن منها، ولولا ذلك لكان على عائشة في ذلك من الحرج ما فيه؛ لأن الغضب على النبي صلى الله عليه وسلم وهجره كبيرة عظيمة؛ ولهذا قالت: «لا أهجر إلا اسمك»، فدل على أن قلبها وحبها كما كان، وإنما الغيرة في النساء لفرط المحبة
وفي الحديث: إرشاد إلى مراعاة الرجل أهله ومعرفة مواطن رضاهم وغضبهم
وفيه: بيان أن الرضا والغضب بين الأزواج من الطباع البشرية التي تقع بين الناس جميعا، حتى بين الأنبياء ونسائهم؛ فينبغي الرفق في معرفة الأسباب وحلها
وفيه: مشروعية القسم بألفاظ؛ مثل: ورب محمد، ورب إبراهيم… إلخ
وفيه: مشروعية الحكم بالقرائن؛ لأنه صلى الله عليه وسلم حكم برضا عائشة وغضبها بمجرد ذكرها اسمه الشريف وسكوتها عنه؛ فبنى على تغير الحالتين من الذكر والسكوت تغير الحالتين من الرضا والغضب
وفيه: بيان سعة أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، وشدة تحمله ما يحصل من النساء بسبب الغيرة