باب في قلة الكلام
سنن الترمذى
حدثنا هناد قال: حدثنا عبدة، عن محمد بن عمرو قال: حدثني أبي، عن جدي، قال: سمعت بلال بن الحارث المزني، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أحدكم ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن أحدكم ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت، فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه» وفي الباب عن أم حبيبة " هذا حديث حسن صحيح وهكذا رواه غير واحد عن محمد بن عمرو نحو هذا، قالوا: عن محمد بن عمرو، عن أبيه، عن جده عن، بلال بن الحارث «وروى هذا الحديث مالك، عن محمد بن عمرو، عن أبيه، عن بلال بن الحارث،» ولم يذكر فيه عن جده "
اللِّسانُ مِن نِعَمِ اللهِ العَظيمةِ، ولَطائفِ صُنعِه البَديعةِ؛ فإنَّه مع صِغَرِ جِرْمِه قدْ يكونُ سَببًا في دُخولِ الجنَّةِ، أو انْكِبابِ صاحِبِه على وَجْهِه في النَّارِ؛ لذا يَنْبغي للمُسلِمِ أنْ يَحفَظَ لِسانَه.
وفي هذا الحَديثِ بَيَّن النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أثَرَ الكلمةِ وما يَترتَّبُ عليها مِن أجْرٍ أو وِزرٍ، حتَّى إنَّ العبدَ لَيتكلَّمُ بالكَلمةِ مِمَّا يَرْضاهُ اللهُ ويُحِبُّه، لا يَلتفِتُ لها قلْبُه وبالُه؛ لِقِلَّةِ شَأنِها عندَه، فيَرْفَعُه اللهُ بها دَرَجاتٍ في الجنَّةِ، وإنَّه لَيتكلَّمُ بالكَلمةِ الواحدةِ مِمَّا يَكْرَهُه اللهُ ولا يَرْضاهُ، لا يَلتفِتُ بالُه وقلْبُه لعِظَمِها، ولا يَتفكَّرُ في عاقِبتِها، ولا يَظُنُّ أنَّها تُؤثِّرُ شَيئًا، ولكِنَّها عندَ اللهِ عَظيمةٌ في قُبحِها، فيَهْوِي بها -أي: يَنزِل ويَسقُط بسَببِها- في دَرَكاتِ جَهَّنَمَ.
وهذا تَحذيرٌ للمُسلِمِ مِن خُطورةِ الكَلِمةِ؛ فإنَّ الكَلِمةَ إذا لم تَخرُجْ مِن الفَمِ فالإنسانُ مالِكُها، فإذا خرَجَت كان أسِيرَها.
وفي الحَديثِ: أنَّ مَوضوعَ الكلامِ هو مَا يُحدِّد أثَرَه المترتِّب عليه؛ فقدْ يَخرُجُ المُسلِمُ مِن إسلامِه بسَببِ كَلِمةٍ، وقدْ يَنصُرُ اللهُ الإسلامَ بكَلمةٍ.
وفيه: التأمُّلُ والتفَكُّرُ فيما يَنطِقُ به الإنسانُ.