باب: في قوله تعالى: {حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود}
بطاقات دعوية
عن سهل بن سعد رضي الله عنهما قال لما نزلت هذه الآية (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود) قال فكان الرجل إذا أراد الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأسود والخيط الأبيض فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له رئيهما فأنزل الله بعد ذلك (من الفجر) فعلموا أنما يعني بذلك الليل والنهار. (م 3/ 128
كان القرآنُ الكريمُ يَنزِلُ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُفرَّقًا مُنجَّمًا ولم يَنزِلْ جُملةً واحدةً، وكانت الآياتُ تَنزِلُ يُفسِّرُ بَعضُها بعضًا، وكان الصَّحابةُ رِضوانُ اللهِ عليهم يُسارِعون في تَحقيقِ أوامرِ اللهِ عزَّ وجلَّ المُنزَّلةِ في كَلامِه أوَّلًا بأوَّلٍ.
وفي هذا الحَديثِ يُبيِّنُ الصَّحابيُّ الجَليلُ سَهْلُ بنُ سَعْدٍ رَضيَ اللهُ عنه كيف نزلَتْ بعضُ آياتِ الصِّيامِ، حيثُ نزَلَ أوَّلًا قولُه تعالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [البقرة: 187]؛ ففَهِم بَعضُ الصَّحابةِ لَفظَ الآيةِ على ظاهِرِه، فكان أحدُهم إذا أراد أنْ يَصومَ أحضَرَ خَيطينِ: خَيطًا أبيضَ، وآخَرَ أسودَ، وربَطَهما في قَدَمِه، وكان يَأكُلُ ويَشرَبُ حتَّى يَظهَرَ له الفرْقُ بيْن اللَّونينِ بعْدَ طُلوعِ الصُّبحِ ودُخولِ النَّهارِ، فأنزَل اللهُ بعْدَ ذلك قولَه: {مِنَ الْفَجْرِ}، فعَلِم الصَّحابةُ أنَّ المقصودَ بالخَيطِ الأبيضِ والخيطِ الأسودِ هو بَياضُ النَّهارِ وسَوادُ اللَّيلِ، وأنَّ دُخولَ الفَجرِ هو الحدُّ الفاصلُ بيْن انتهاءِ اللَّيلِ وبِدايةِ النَّهارِ؛ ليُمسِكَ كلُّ مَن أراد الصِّيامَ عنِ الأكلِ والشُّربِ مع تلك العلامةِ البارزةِ الواضحةِ.