باب: في قوله تعالى: {ما ودعك ربك وما قلى}
بطاقات دعوية
عن الأسود بن قيس قال سمعت جندب بن سفيان - رضي الله عنه - يقول اشتكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يقم ليلتين أو ثلاثا فجاءته امرأة فقالت يا محمد إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاث قال فأنزل الله عز وجل {والليل إذا سجى (2) ما ودعك ربك وما قلى}. (م 5/ 182
لقدْ أُوذِيَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في اللهِ إيذاءً لم يُؤذَهُ أحَدٌ، ولكنَّه صَبَرَ وجاهَدَ ومَضى في دَعوتِه حتَّى عمَّ نُورُ اللهِ في العالَمينَ
وفي هذا الحَديثُ يُخبِرُ الصَّحابيُّ الجليلُ جُندُبُ بنُ عبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ جِبرِيلَ عليه السَّلامُ -وهو المَلَكُ المُوكَّلُ بالوحْيِ- احتبَس على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، يعني: أبطَأَ عن المَجيءِ إليه، فقالتِ امرأةٌ مِن قُريشٍ لَمَّا رأَتْ ذلك -وهي أمُّ جميلٍ أَرْوى بِنتُ حَرْبٍ، أُخْتُ أبي سُفيانَ، وزَوجُ أبي لَهَبٍ-: أبطَأَ عليه شَيطانُه، تَقصِدُ جِبريلَ عليه السَّلامُ، وهذا مِن الأذَى الَّذي ابتُلِيَ به النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن قَومِه، فَنَزلَتْ عندَ ذلك سُورةُ (الضُّحى)؛ تَكذيبًا للمرأةِ الكافرةِ، وتَأييدًا للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال تعالى: {وَالضُّحَى}، وهو وَقتُ ارتفاعِ الشَّمسِ بعْدَ إشراقِها، وقيل: المرادُ بالضُّحى هنا: النَّهارُ كلُّه؛ بدَليلِ أنَّه جُعِلَ في مُقابَلةِ اللَّيلِ كلِّه، ومعنى {سَجَى}: سَكَنَ وهَدَأَ وأسْدَلَ ظَلامَه على الكونِ. وهذا قَسَمٌ مِن اللهِ عزَّ وجلَّ بالضُّحى وباللَّيلِ، ومَعلومٌ أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يُقسِمُ بما شاء؛ فالكونُ كَونُه، والأمرُ أمْرُه، وأمَّا العِبادُ فليس لهم إلَّا أنْ يُقسِمُوا باللهِ عزَّ وجلَّ؛ لِما رُوِيَ في الصَّحيحَينِ مِن حَديثِ عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قال: «مَن كانَ حَالِفًا فلْيَحْلِفْ باللهِ، وإلَّا فلْيَصْمُتْ»
وقولُه: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} يعني: ما أبْعَدَك ربُّك وقَطَعَك، وما أبغَضَك
وفي الحديثِ: فضْلُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ومَكانتُه عِندَ رَبِّه سُبحانَه
وفيه: بيانُ سَببِ نُزولِ سُورةِ الضُّحى
)