باب قصر الصلاة بمنى
بطاقات دعوية
حديث عبد الله بن عمر، قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين، وأبي بكر وعمر، ومع عثمان صدرا من إمارته، ثم أتمها
الأمور الشرعية ينبغي التحرز والاحتياط فيها، وخاصة إذا وجد بين الناس من لا يستطيع فهم الأمور على حقيقتها أو ليس لديه العلم الكافي الذي يؤهله لمعرفة العزائم والرخص في الشرع ومعرفة أوقاتها، وكذلك فإن لإمام المسلمين أن يأخذ بما يراه في صالح الناس، وينبغي السمع له والطاعة
وفي هذا الحديث يقول عبد الرحمن بن يزيد: "صلى عثمان بمنى أربعا"، أي: صلى عثمان بن عفان الصلاة الرباعية تامة في أيام منى من أيام الحج ولم يقصرها لركعتين، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم
وإتمام عثمان كان اجتهادا منه؛ لأنه اعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم قصر الصلاة لما خير بين القصر والإتمام؛ فاختار الأيسر من ذلك على أمته، فأخذ عثمان في نفسه بالشدة وترك الرخصة؛ إذ كان ذلك مباحا له في حكم التخيير فيما أذن الله تعالى فيه. وقيل -كما في رواية أخرى-: "إن عثمان بن عفان أتم الصلاة بمنى من أجل الأعراب؛ لأنهم كثروا عامئذ فصلى بالناس أربعا؛ ليعلمهم أن الصلاة أربع"، فأتم لأن الناس كثروا ويأخذون في الحج أمور الدين من الأئمة والعلماء، فخاف أن يتصور البعض أن الصلاة ركعتان فقط، فأتم الصلاة الرباعية؛ حتى يتعلمها الجهال والأعراب، وقيل غير ذلك
فقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين ومع أبي بكر ركعتين ومع عمر ركعتين- زاد عن حفص"، وهو ابن غياث أي: زاد في روايته: "ومع عثمان صدرا من إمارته، ثم أتمها"، أي: كانوا يقصرون الصلاة التي أتمها عثمان في آخر أمره
"زاد من هاهنا عن أبي معاوية" وهو محمد بن خازم، أي: زاد في روايته: "ثم تفرقت بكم الطرق"، أي: اختلفتم فمنكم من يقصر ومنكم من لا يقصر؛ "فلوددت أن لي من أربع ركعات ركعتين متقبلتين"، أي: تمنيت من فعل عثمان أن يتقبل الله مني ركعتين بدلا من الأربع
"قال الأعمش: فحدثني معاوية بن قرة عن أشياخه: "أن عبد الله"، وهو ابن مسعود "صلى أربعا، فقيل له: عبت على عثمان ثم صليت أربعا"، أي: فعلت ما كنت تعيبه على عثمان بن عفان، فقال عبد الله: "الخلاف شر"، أي: إن الخلاف بين المسلمين في ذلك الموطن شر وأعظم من الإصرار على الركعتين ومخالفة الإمام؛ إشارة إلى جواز الإتمام وهو خلاف الأولى، وهذا مبدأ عظيم، وخاصة في الأمور الاجتهادية التي تحتمل أكثر من وجه، وعلى العلماء أن يلتزموا بما اختاره ولي الأمر لما رأى فيه من المصلحة
وفي الحديث: بيان ضرورة طاعة ولي الأمر فيما اجتهد فيه؛ ما دام لم يخالف نصا ولم يبتدع
وفيه: أن لولي الأمر أن يراعي المصلحة العامة للمسلمين