باب قول النبي -: "لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء"
بطاقات دعوية
عن حميد بن عبد الرحمن: سمع معاوية يحدث رهطا من قريش بالمدينة، وذكر كعب الأحبار، فقال: إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب، وإن كنا مع ذلك لنبلو (29) عليه الكذب.
كان كَعْبُ الأَحبارِ مِن كِبارِ التَّابِعينَ، وكان يَهوديًّا مُخضْرَمًا أَدْرَكَ الجاهِليَّةَ والإسْلامَ؛ فأَسلَمَ في عَهْدِ أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضيَ اللهُ عنه، وقَدِمَ المَدينةَ في عَهْدِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه، وكان يُحدِّثُ بالإسْرائيليَّاتِ وأَخبارِ أهلِ الكِتابِ مِن كُتُبِهم.وفي هذا الأَثَرِ يُخبِرُ التَّابعيُّ حُمَيدُ بنُ عبدِ الرَّحمنِ أنَّه سَمِعَ مُعاوِيةَ بنَ أَبي سُفيانَ رَضيَ اللهُ عنهما وهو يُحدِّثُ جَماعةً مِن قُرَيشٍ، وكانوا مِن أهلِ المَدينةِ، وقابَلَهم لمَّا حَجَّ في خِلافتِه، والرَّهْطُ: ما دونَ العَشَرةِ.
وقيلَ: إلى الأَربَعينَ، فذَكَرَ مُعاوِيةُ كَعْبَ الأَحبارِ، وقالَ: "إنْ كان مِن أَصدَقِ هؤلاءِ المُحدِّثينَ الذين يُحدِّثون عن أهلِ الكِتابِ"، أي: إنْ كنَّا سنُقارِنُ كَعْبَ الأَحبارِ بنُظَرائِه ممَّن كان مِن أهلِ الكُتُبِ ثُمَّ أَسلَموا ويُحدِّثون بالإسْرائيليَّاتِ فهو مِن أَصدَقِهم وخَيرِهم وأَحسَنِهم سِيرةً في الإسْلامِ، "وإنْ كنَّا مع ذلك لَنَبْلو علَيه الكَذِبَ"، أي: لَنُجيزُ علَيه الخَطأَ؛ فنَجِدُ بعضَ ما يُخبِرُنا به يَقَعُ بخِلافِ ما أَخبَرَنا، ويَكونُ ذلك خَطَأً منه، أو لأنَّ ما يُخبِرُ به مُحرَّفٌ في الأَصلِ،
وليس المُرادُ أنَّه يَتَعمَّدُ الكَذِبَ، فالعَرَبُ تَقولُ في العادةِ لمَن أَخطَأَ: كَذَبْتَ؛ وليس في هذا تَجْريحٌ لكَعْبٍ بالكَذِبِ،
يعني: أنَّ الكَذِبَ فيما يُخبِرُ به مِن أَهلِ الكِتابِ، لا منه، فالأَخبارُ التي يَحْكيها عن القَومِ يَكونُ بعضُها كَذِبًا.