باب قيام النبي - صلى الله عليه وسلم - بالليل ونومه، وما نسخ من قيام الليل،
بطاقات دعوية
عن أنسٍ رضي الله عنه قالَ: كانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُفْطِرُ منَ الشهرِ حتى نظُنَّ أنْ لا يصُومَ منْه، ويصومُ حتى نظُنَّ أنْ لا يُفطِرَ، وكان لا تشاءُ أنْ تراه منَ الليلِ مصَلياً إِلا رأيتَهُ، ولا نائماً إلا رأيتَه.
كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أعبَدَ الناسِ للهِ، وأحرَصَهم على مَرضاتِه، ومع هذا فقدْ علَّمَنا اليُسرَ في العبادةِ، وأخْذَ النفْسِ بما تَستطيعُ، وتَرْكَ التَّشديدِ عليها، فيَجمَعُ الإنسانُ بيْن دُنياهُ وآخِرتِه.
وفي هذا الحديثِ يَروي أنسٌ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يُفطِرُ مِن الشَّهرِ حتَّى يُظَنَّ أنَّه لا يَصومُ، ويَصومُ حتَّى يُظَنَّ أنَّه لا يُفطِرُ، فكان لا يَسرُدُ الصَّومَ طوالَ الشَّهرِ، بلْ يَصومُ ويُفطِرُ، وذلك في غَيرِ رَمَضانَ؛ فصَومُه واجبٌ، ويَراهُ نائمًا في اللَّيلِ يُرِيحُ جَسَدَه مَن أرادَ رُؤيتَه نائمًا، ويَراه قائمًا في الصَّلاةِ مَن أرادَ رُؤيتَه وهو قائمٌ يُصلِّي، فما كان يُصلِّي اللَّيلَ كلَّه، بلْ يَقومُ ويَنامُ.
وإنَّما لم يَلتزِمْ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَرْدَ الصِّيامِ الدَّهرَ كلَّه، ولا سَرْدَ الصَّلاةِ باللَّيلِ كلِّه؛ رِفقًا بأمَّتِه؛ لئلَّا تَقتديَ به في ذلك، فيَشُقَّ ذلك عليهم ولا يَسْتطيعوا فِعلَه، وإنْ كان قد أُعطِيَ مِن القوَّةِ في أمْرِ اللهِ تعالَى ما لو الْتزَمَ الأمرَ الصَّعبَ منه لم يَنقطِعْ عنه، فتوسَّطَ في الأمرِ؛ فصام وأفطَر، وقام ونامَ.
وفي الحديثِ: دَليلٌ على أنَّ النَّوافلَ المُطلَقةَ ليس لها أوقاتٌ مَعلومةٌ، وإنَّما يُراعى فيها وَقتُ النَّشاطِ لها.
وفيه: دَلالةٌ على أنَّ صَلاتَه ونومَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانا يَختلِفانِ باللَّيلِ، ولا يُرتِّبُ وَقتًا مُعيَّنًا، بلْ بحسَبِ ما تَيسَّر له القِيامُ، وكذا صِيامُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.