باب كراهية الدعاء بتعجيل العقوبة في الدنيا
بطاقات دعوية
عن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاد رجلا من المسلمين قد خفت (1) فصار مثل الفرخ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هل كنت تدعو بشيء أو تسأله إياه قال نعم كنت أقول اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبحان الله لا تطيقه أو لا تستطيعه أفلا قلت اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار قال فدعا الله له فشفاه. (م 8/ 67)
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَتفقَّدُ أصحابَه، ويَزورُ مَريضَهم ويَدْعو لهم، ويُعلِّمُهم أُمورَ الدِّينِ، ويُصوِّبُ أخْطاءَهم
وفي هذا الحديثِ يَرْوي أَنسُ بنُ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ زار رجُلًا مَريضًا منَ المسْلِمينَ، كان قَد أَضعَفَه المرضُ حتَّى صارَ ضعيفًا مِثلَ الفَرخِ، وهو الطَّائرُ الصَّغيرُ؛ لضَعفِه وكَثرةِ نَحافتِه، ولمَقامِ النُّبوَّةِ عَلِم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ مِثلَ هذا الابتلاءِ مع هذا الرَّجلِ فيه أمرٌ، ولذلك سَألَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هَل كُنتَ تَدْعو بشَيءٍ أو تَسألُه إيَّاه؟ أي: هل كُنتَ تَدعو اللهَ بشَيءٍ منَ الأَدعيَةِ الَّتي يُسأَلُ فيها مَكروهٌ؟ أو: هل سَألتَ اللهَ البَلاءَ الَّذي أنتَ فيهِ؟ فأجاب الرَّجلُ: نَعمْ، كُنتُ أدْعُوه تعالَى أنَّه إذا كان سيُعاقِبُه في الآخِرَةِ، فلْيعَجِّلْ عُقوبتَه في الدُّنيا، خَوفًا وخَشيةً مِن عَذابِ الآخرةِ، فكأنَّ اللهَ سُبحانَه وتَعالَى استَجابَ دُعاءَه وابْتلاهُ بالمرَضِ حتَّى ضَعُفَ وصارَ مثلَ الطَّائرِ الضَّعيفِ، فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «سُبحانَ اللهِ!» وهذا تَنزيهٌ للهِ عن كلِّ ما لا يَليقُ، وقاله النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَعجُّبًا مِن دُعاءِ الرَّجلِ تَعجيلَ عَذابِ الآخرةِ عليه، وقال له: «لا تُطيقُه أَوْ لا تَستطيعُه» أي: لا تَتحمَّلُه في الدُّنيا؛ لأنَّ نَشأةَ الدُّنيا ضَعيفةٌ لا تَحتمِلُ العذابَ الشَّديدَ والألمَ العظيمَ، وأمَّا نَشأةُ الآخرةِ فهي للبَقاءِ
ثمَّ عَلَّمَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كيفَ يَدْعو، وأرشَدَه إلى أحسَنِ ما يُقالُ، وأنْ يَدْعوَ ويقولَ: «اللُّهمَّ آتِنا في الدُّنيا حَسنَةً، وفي الآخرَةِ حسنَةً، وَقِنا عَذابَ النَّارِ» وحَسَنةُ الدُّنيا يَدخُلُ فيها كُلُّ ما يَحسُنُ وُقوعُه عِندَ العَبدِ؛ مِن رِزقٍ هَنيءٍ واسعٍ حَلالٍ، وزَوجةٍ صالحةٍ، ووَلدٍ تقَرُّ به العَينُ، وراحةٍ، وعِلمٍ نافعٍ، وعَملٍ صالحٍ، ونَحوِ ذلكَ مِنَ المطالبِ المَحبوبَةِ والمُباحةِ
وحسنَةُ الآخرَةِ هي: السَّلامةُ منَ العُقوباتِ في القَبرِ والموقِفِ والنَّارِ، وحُصولُ رِضا اللهِ، والفوزُ بالنَّعيمِ المُقيمِ في الجَنَّة، والقُربُ مِنَ الله الرَّحمن الرَّحيم، والدُّعاءُ بالوقايةِ مِن عَذابِ النَّارِ، وما يُقرِّبُ إليها مِن شَهوةٍ وعَملٍ في الدُّنيا، فهذا الدُّعاءُ مِن الجوامعِ الَّتي تَتضمَّنُ خيْرَ الدُّنيا والآخرةِ
وأخبَرَ أنسٌ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ دَعا لهذا الرَّجلِ بالشِّفاءِ، فاستجابَ اللهُ دُعاءَ حَبيبِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فشَفاه اللهُ وأبْرَأَه مِن ذلك المرضِ
وفي الحديثِ: أنَّه لا يَنْبغي للعبدِ أنْ يَطلُبَ لنَفسِه البلاءَ، وإذا سَأل فإنَّما يَسأَلُ ما فيه خيرٌ
وفيه: عِيادةُ المريضِ، ولوْ كان العائدُ أميرًا أو نحْوَه
وفيه: سُؤالُ المريضِ سَببَ مَرضِه؛ ليُبحَثَ له عن الأدويةِ المناسِبةِ له
وفيه: التَّسبيحُ عندَ التَّعجُّبِ
وفيه: أنَّ مِن المرضِ ما يكونُ عُقوبةً لِصاحبِه