باب كسب الحجام 5
سنن ابن ماجه
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا شبابة بن سوار، عن ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن حرام بن محيصة
عن أبيه: أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن كسب الحجام، فنهاه عنه، فذكر له الحاجة، فقال: "اعلفه نواضحك" (1).
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم نِعمَ المعلِّم والمربِّي، وقد ربَّى أصحابَه على المكارِمِ والمعالي، وعلى الابتعادِ عن كلِّ دَنيئةٍ في نفْسِها أو بما يَرتبِطُ بها.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ مُحَيِّصَةُ بنُ مَسعودٍ رَضِي اللهُ عنه: "أنَّهُ سَأَل النَّبِيَّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم عَن كَسْبِ الحَجَّامِ"، وهو الأجرةُ الَّتي يَأخُذُها مَن يَقومُ بالحِجامةِ، وكان له غلامٌ حَجَّامٌ يُقالُ له: أبو طَيْبةَ، فكان يَكسَبُ كَسْبًا كثيرًا، فلمَّا نهى رَسولُ اللهِ عليه السَّلامُ عَن كسْبِ الحجَّامِ، جاء لِيَأخُذَ الرُّخصةَ مِن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم كما في الرِّواياتِ، "فنَهاهُ عَنْهُ"، أي: نَهاه النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم عن كَسْبِه، "فذَكَر له الحَاجَةَ"، أي: الفَقْرَ، فقَالَ: "اعْلِفْه نَواضِحَك"، جمعُ ناضِحةٍ وهي النَّاقةُ الَّتي يُسقَى عَلَيها الماءُ، أي: يَشْترِي بأُجرةِ الحجَّامِ عَلفًا لبَهائمِه، وجاءَ في رِوايةِ الحَديثِ إطعامُه للعَبيدِ أيضًا، ويُشبِهُ ما في صَحيحِ مُسلِمٍ مِن روايةِ رافِعِ بنِ خَدِيجٍ رَضِي اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "وكَسْبُ الحجَّامِ خبيثٌ".
وفي الصَّحيحَينِ عن أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِي اللهُ عنه، قال: "حجَمَ أبو طَيْبةَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فأمَر له بصاعٍ مِن تَمرٍ، وأمَر أهْلَه أن يُخفِّفوا مِن خَراجِه"، وعن ابنِ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عنهما قال: "احتَجَم النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وأعطى الحجَّامَ أجْرَه"، ولو عَلِم كراهيَّةً لم يُعطِه؛ فحمَل العلماءُ الأحاديثَ الَّتي فيها النَّهيُ على التَّنزيهِ، والارتفاعِ عن دَنيءِ الاكتسابِ، والحثِّ على مَكارمِ الأخلاقِ، ومَعالي الأمورِ، ولو كان حرامًا لم يُفرِّقْ فيه بين الحُرِّ والعَبدِ( ).