باب كيف يقبض العلم
بطاقات دعوية
وكتب عمرُ بنُ عبدِ العزيز إِلى أبي بكر بن حزمٍ انظر ما كانَ من حديثِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فاكتبْه، فإِني خفتُ دروسَ العِلمِ، وذهابَ العلماءِ، ولا يُقبَلُ إِلا حديثُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم -، ولْيُفشوا العِلمَ، وليَجلسوا حتى يُعلَّمَ من لا يَعلمُ، فإِنَّ العِلمَ لا يَهلِكُ حتى يكونَ سرّاً. العلماءِ، حتى إِذا لم يُبقِ عالِماً؛ اتخَذَ الناسُ رُؤُوساً جهَّالاً، فسئِلوا، فأَفتَوا بغيرِ علمٍ. (وفي روايةٍ: فيُفتونَ بِرأيهم، فَضَلُّوا وأضَلُّوا". فحدثتُ عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ثم إِن عبدَ اللهِ بن عَمْروٍ حَجَّ بعدُ، فقالت: يا ابنَ أختي! انطلق إِلى عبدِ الله، فاستَثْبِت منه الذي حدَّثْتَني عنه، فجئتُه فسألْتُه، فحدثني كنحو ما
جعَلَ اللهُ العِلمَ مَنارًا وهِدايةً إلى طَريقِه، وبدونِ العلمِ يَضِلُّ الناسُ الطَّريقَ، فالعِلمُ الحَقيقيُّ يَمنَعُ مِن الوُقوعِ في الزَّللِ.وفي هذا الحديثِ يُخبِرُنا النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ اللهَ لا يَرفَعُ العِلمَ مِن النَّاسِ بإزالتِه مِن قُلوبِ العُلماء ومَحوِه مِن صُدورِهم، ولكنْ يَقبِضُ العلمَ بقَبْضِ العُلماءِ وموتِهم، فيَضيعُ العِلمُ، فلا يُوجَدُ فيمَن يَبْقى مَن يَخلُفُ مَن مَضَى، وكلَّما ذَهَبَ عالِمٌ ذهَبَ بما معه مِن العِلمِ، حتَّى إذا لم يُبْقِ اللهُ عالِمًا ومات أهلُ العلمِ الحقيقيِّ، وصَلَ الجُهلاءُ إلى المراكزِ العِلميَّةِ الَّتي لا يَستحِقُّونها؛ مِن تَدريسٍ وإفتاءٍ ونحوِه، وجعَلَ النَّاسُ منهم عُلماءَ يَسأَلونهم، فيُفتونَ بغيرِ عِلمٍ لجَهْلِهم، فيُحِلُّون الحرامَ، ويُحرِّمون الحلالَ، فيَضِلُّون في ذاتِ أنفسِهم عن الحقِّ، ويُضِلُّون مَن اتَّبَعهم وأخَذَ بفَتْواهم مِن عامَّةِ النَّاسِ. ولا تُغْني المُؤلَّفاتُ والرَّسائلُ وغيرُها عن وُجودِ العُلماءِ؛ لأنَّها لم تُفهَمْ على وَجْهِها الصَّحيحِ بدُونِهم.وفي هذا الحديثِ: الحثُّ على تَعلُّمِ العِلمِ وحِفظِه؛ فإنَّه لا يُرفَعُ إلَّا بقبْضِ العُلماءِ.وفيه: التَّحذيرُ مِن تَرئيسِ الجهَلةِ، وتَحذيرُ وُلاةِ الأُمورِ مِن تَعيينِ الجُهَلاءِ في المناصبِ الدِّينيَّةِ. وفيه: أنَّ الفَتوى هي الرِّياسةُ الحقيقيَّةُ، وذمُّ مَن يُقدِمُ عليها بغَيرِ عِلمٍ.
حدثني، فأتيتُ عائشةَ، فأخبرتُها، فعجبَتْ، فقالت: واللهِ لقد حَفِظَ عبدُ الله بنُ عمرو )